إعادة هندسة الوعي الجمعيّ العالميّ الجديد
الشيخ علي عبد الساتر
اتّخذ الإعلام العالميّ (Mainstream Media) و هوليوود (Hollywood) من صناعة الأغاني والأفلام الكرتونيّة للأطفال والـ(Big-Tech) مسارًا واضحًا، ومتشدّدًا لمصلحة البروباغندا اليساريّة وثقافة اليقظة، بدءًا من النّظريّة النّقديّة للجنس والتّحوّل الجنسيِّ والمِثليّة الجنسيّة والنّسويّة والجنوسة، وصولًا إلى التَّغيّر المناخي ومركزيّة الإدارة العالميّة (Globalism). فأغلب البرامج الإعلاميّة والأفلام وسياسات وسائل التّواصل الاجتماعيّ، تعكس تبنّي هذه الثّقافة وتعمل على نشرها؛ بل فرضها على المجتمع.
ومع أنّ فئةً كبيرةً من المجتمع الغربيّ لا تمثّله هذه الثّقافة، أو على الأقلّ لا يهتمّ بها؛ إلّا أنَّ أصحاب هذه الثّقافة، ومن ورائهم شركات ومنظّمات عالميّة، يعتقدون أنّهم إذا عرضوا أفكارهم على النّاس بشكلٍ متواصلٍ ومستمرٍّ- مع حجب وإلغاء كلّ من ينتقدهم- فهم في نهاية المطاف سيصلون إلى مبتغاهم، وسيروّجون لأنفسهم على أنّهم ديمقراطيوّن إنسانيّون، يحاربون من أجل الحرّيّات، وحقوق الإنسان، والمصلحة العامّة للبشريّة. لكنّ هذا ليس مجرّد مظهر زائف، وطُعمٍ لاستقطاب الشّباب والسّيطرة على عقولهم وإدارة حياتهم. لتوصِل تاليًا إلى تغيير الوعي الجمعيّ لأسباب أغلبها امبرياليّة اقتصاديّة، ولفهم الأهداف الحقيقيّة بشكل أفضل، لا بدّ من محاولة فهم كيفيّة تفكير هؤلاء وأهمّ أساليبهم في التّلاعب بعقول النّاس.
عندما نقول هؤلاء، فإنّنا لا نقصد المتحوّلين والشّاذين والنّاس الّذين حاولوا إغراءهم- فجزءٌ كبيرٌ منهم يُعدّون من ضحايا هذه الحملات- إنّما نقصد مباشرة المنظومة الحاكمة عالميًّا أو النّخب العالميّة من شركات وبنوك استثماريّة عملاقة تفوق ميزانيّتها ميزانيّة العديد من الدّول المتقدّمة مجتمعة، وهي تدير سياسات هذه الدّول بشكلٍ غير مباشر، ويمكن تسميتها بالدّولة العميقة العالميّة الحقيقيّة.
يرى البعض في هذا الكلام مبالغةً وانسياقًا واتّباعًا لنظريّة المؤامرة؛ لأنّ كلّ من يقول الحقيقة في وجه هؤلاء وبوجه أميركا خاصّة، يُدرَج تحت تسمية مناصري نظريّة المؤامرة؛ لذلك فإنَّ الاستدلال بما صرحت به “توسي غابارد” (Tulsi Gabbard) – وهي من أكثر أعضاء الحزب الدّيمقراطي اليساريّ الأمريكيّ شهرة ومرشّحة سابقة لانتخابات الرّئاسة الأمريكيّة- خير دليل على ما بيّنّاه، فقد صرّحت أنَّها سوف تترك الحزب؛ لأنّه تحت سيطرة كاملة من النّخب العالميّة المتعطّشة إلى الحرب المسَوَّق لها بشكل جبان من الـ (Wokness). وتنهي تغريدتها بوصف الحزب الدّيموقراطيّ بـ(The Woke Democratic Party).
كما أنّ خطاب رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة السّابق “دونالد ترامب” “Donald Trump” يؤكدّ كلامنا أيضًا؛ إذ تحدّث في ٠٧/٠٨/٢٠٢٢ م عن الدّولة العميقة وسطوتها على أقوى دولة في العالم، كما تحدّث عمّا نسمّيه الحرب الثّقافية النّاعمة، قائلًا: “يجب أخذ السّلطة من يد هؤلاء اليسارييّن المجانين الذين يحاولون تلقين شبابنا”، [ يقصد هنا تلقينهم ثقافة اليقظة].
أو فلنبحث عن مالكِ أكبر حصص في أغلب الشّركات العالميّة، شركة (BlackRock) التي تفوق أوصولها الـ ١٠ تريليون دولار؛ أي ما يوازي أكثر من ١٥% من النّاتج القوميّ العالميّ، ويفوق ميزانية ألمانيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة الّتي لا يعلم أغلب النّاس اسم مُؤسسها و رئيسها الحالي (لورنس فينك)، مع أنَّه من أكثر الأشخاص تأثيرًا على المستوى العالميّ.
أوّلًا: خطوات التّأثير المتّبعة
لأجل فهم طريقة تفكير هؤلاء، لا بدّ من فهم الطّغاة عبر التّاريخ، فليس خافيًا أنَّ كلّ طاغية إنّما يسعى إلى السّيطرة على محيطه، ويعمل على التّوسع بأساليب مبتذلة وأهداف لا تراعي سوى المحافظة على السّلطة والتّوسّع، من دون مراعاة القيم والمثل الإنسانيّة العامّة. إنّ الحكّام الطّغاة عادةً ما تكون دولتهم هي محيطهم. أمّا اليوم، ومع تحوّل العالم إلى قرية كونيّة نتيجة العولمة، فقد أصبح محيط الطّغاة هو العالم كلّه. والطّغيان لم يتوقّف عند “ستالين” (Stalin) والجنرال “ماو زيدونغ” (Mao Zedong) أو “هتلر” (Hitler)؛ بل هو حاضرٌ طالما هناك بشر يحكمون؛ ولكنّ الطّرائق تختلف؛ لأنّه لا يمكن لحكومة سلطويّة النّجاح بفرض سياستها من دون اللُّجوء إلى الكذب والخداع والقهر وتجريد النّاس من هويّتهم؛ ليكونوا هدفًا سهلًا للسّيطرة عليهم. ولذلك نُلاحظ مسارًا مشتركًا لدى الطّغاة في جميع العصور.
نذكر أهمّ صفات هذا المسار في ما يلي:
- إلغاء الخيارات الأخرى: إنّ المركزيّة الإداريّة العالميّة التي يطمح إليها هؤلاء هي فعلًا إلغاء أيّ خيار آخر للجماهير، وإقناعهم أنّ خيارهم هو ما يضمن الرّفاهيّة والأمان والتّطوّر البشريّ. فإن كان لدى النّاس خيار آخر ونموذج آخر، فإنّهم سوف يشكّون في صلاحيّة الخيار المفروض عليهم؛ لذلك تُلغى وتُشَيْطنُ أيّ أيديولوجيّة تواجههم أو تتعارض معهم، كما أنّها الطّريقة الوحيدة للتّأكّد من عدم انقلاب الشّعب عليهم. وهذا يمكن تتبّعه في التّاريخ البعيد والقريب، وفي أيّامنا عبر حملات الرّقابة والتّجريم؛ بل هذا ما يُفسّر البُعد الثّقافيّ للحرب الرّوسيّة في أوكرانيا، كما يظهر من خلال الخطاب المفصليّ للرّئيس الرّوسيّ، في ٣٠/٠٩/٢٠٢٢م، والذي تحدّث فيه مطوّلًا عن الحرب الثّقافيّة الغربيّة، مع تركيزه على الهويّة الدّينيّة المسيحيّة والهويّة العائليّة.
- خلق مفاهيم وعناوين أخلاقيّة زائفة: هذه الاستراتيجيّة واضحة عبر التّاريخ، فلا يكاد يخلو حكم طاغية من قضيّة أخلاقيّة نبيلة زائفة، ولا حاجة لذكر الأمثلة لوضوح الموضوع. أمّا اليوم، فالقضيّة الزّائفة هي الحريّة التي لا تطبّق، والسّعادة الوهميّة التي تتجلّى آثارها في الارتفاع الهائل لنسبة الموتى جرّاء جرعات المخدّرات (ما يقارب ٣٠% بين العام ٢٠١٩ و ٢٠٢٠)، وارتفاع تعاطي المخدّرات الصّناعيّة وأدوية الأعصاب ومضادّات الاكتئاب في أميركا؛ وهي الدّولة التي يُسوّق لها على أنّها الأنموذج الأكمل للمجتمعات الأخرى، ويجب أن نبني مجتمعاتنا على أساسها. وفي القضايا المزيّفة عدم احترام الآخرين، الذي نراه واضحًا عبر إلغاء أصحاب الأفكار المعارضة للمنظومة الحاكمة وتجريمهم. نعم، لدى الطّاغية، الغاية تسوّغ الوسيلة؛ لكنّها هنا لا تُدرَك؛ بل الغاية هي الوسيلة نفسها.
- الحاجة إلى التّوسّع والسّيطرة: التّوسع هو من الأمور البديهيّة والواضحة، ويمكن ملاحظته في السّياسة الخارجيّة الأميركيّة. أمّا السّيطرة على الأفراد، فيُلاحظ أنّه بعد السّيطرة على حياة النّاس عبر الحجْر الصّحيّ واللّقاحات التي تبيّن لاحقًا أنّها لا تحمي من الإصابة، ولا تحدّ من انتشار الوباء. فقد اشتدّ التّحكّم ليصل إلى الأفكار والآراء، فعندما يتحكّم الطّاغية بشيء، فإنّه من الصّعب عليه التّخلّي عنه؛ لأنّ عطشه للتّحكّم لا يُروى؛ لذلك نرى أنّ الرّقابة المشدّدة استمرّت إلى ما بعد الجائحة.
ثانيًا: الأساليب المتّبعة:
للنّظر إلى بعض الأساليب، يمكننا الاستعانة بكتاب “بربروغندا” (Propaganda) للكاتب “إدوارد ل.بيرنبس” (Edward L.Berneys) الذي كتبه في العام ١٩٢٨، بعد نجاحه بإقناع الرّأي العام الأميركيّ بضرورة المشاركة في الحرب العالميّة الأولى. يشرح الكاتب في كتابه طرائق نجاحه في التّلاعب بأفكار النّاس وعاداتهم، ورغم قِدم هذا الكتاب إلّا أنّه ما يزال يُستعمل؛ لأنّ الثّقافة الماديّة أصبحت مستحكمة في الطّبيعة البشريّة. ومن النّقاط الرّئيسة التي ارتكز عليها هذا الكتاب هي أنّ السّيطرة على أفكار النّاس عاملٌ مهمّ لتحقيق مجتمع ديمقراطيّ، فمن دون السّيطرة والتّلاعب الذّكي بأفكار النّاس لا يمكن للدّيمقراطية أن تعمل. وبالنّسبة إلى الكاتب، فإنّ الطّبقة الحاكمة يجب أن تبقى وراء الكواليس، وأن تفهم جيّدًا طريقة تفكير النّاس والأنماط الاجتماعيّة للجماهير. ونستطيع أن نستخرج من كتابه بعض العناوين التي يستعملها اليسار للتّأثير في عقول النّاس وصناعة ثقافتهم:
- التّحكّم بقائد المجموعة أو الشّخصيّة المحبوبة: إذا تحكّمت بقائد المجموعة أو الشّخصيّة المحبوبة من الجماهير، فإنّ النّاس سوف يلحقون بها؛ لذلك نرى أنّه يتمّ السّعي إلى خلق شخصيّات تصبح محبوبة بشكل تلقائي في جميع المجتمعات (Idols)، سواء كان ذلك من خلال الممثّلين -خاصّة أبطال الأفلام- الفنّانين، لاعبي كرة القدم أم بعض العلماء ورجال الأعمال المؤثّرين- فنرى هذه الشّخصيّات تتحوّل إلى مُثل عُليا، خصوصًا عند المراهقين، وكثيرًا ما نراهم يروّجون لثقافة الـ (Woke) للتّأثير على النّاس، علمًا بأنّ معظم هذه الشّخصيّات تعود ملكيّتها إلى الشرّكات العالميّة نفسها.
- الاستخدام الذّكي للّغة والعبارات: بعض الكلمات والعبارات مرتبطة مباشرة بمشاعر معيّنة. يخبرنا (Berneys) إنّه بالإفادة من قوّة اللّغة يمكننا التّلاعب بمشاعر النّاس، وبأفعالهم وقناعاتهم تاليًا، ونرى ذلك في الأفلام الهوليوديّة؛ إذ يتمّ تغيير الوعي الجمعيّ لدى النّاس بما يخدم المصالح الأميركيّة لإظهار صورة مخالفة أو معاكسة للواقع.
- تكرار الفكرة نفسها يؤدّي إلى الإقناع ويخلق عادات في اللَّاوعي: هذا أسلوب سيكولوجيّ قديم، فإعادة الفكرة نفسها، بشكل متكرّر، هو طريقة في البرمجة تهدف إلى غرس المفاهيم في اللّاوعي لدى النّاس، وهذا ما يفسّر الحاجة إلى الشّعارات الّتي تتكرّر على مسامعنا كلّ يوم، وتخصيص شهر حزيران كاملًا لغرس فكرة الشّذوذ في الأذهان من خلال شعار “شهر الفخر” (Pride Month).
- نشر البروباغندا على أيّ وسيلة تواصل: بالنّسبة إلى الكاتب، أيّ وسيلة تنشر المعلومات يمكن استعمالها لنشر البروباغندا. ويقول إنّه يجب على الحاكم الإحاطة والتّحكّم دائمًا بوسائل التّواصل، و هذا ما وضّحناه في مقال سابق, وهو من أهمّ الأساليب لنشر البروباغندا.
- الكثير من الأفعال والقناعات لا تأتي من الاقتناع بها؛ بل نتيجة ما تمثّله للفاعل: هذا ما نراه واضحًا في موضوع الشّاذّين والتّحوّل الجنسيّ؛ فكثير من النّاس الذين يؤيّدون علنًا نشر وفرض هذه الثّقافة كحال طبيعيّةٍ ضمن المجتمع، خاصّة الأطفال، ليسوا فعلًا مقتنعين بتلك الأفكار؛ بل يحبّون أن يظهروا بصورة تجعلهم يبدون من خلالها متطوّرين ومحترِمين لحرّيّات الآخرين. وهذه الحال تُلاحظ بشكل أكبر في المجتمعات الشّرقيّة عند الأفراد الذين يعانون عقدة نقصٍ تجاه المجتمعات الغربيّة، ويريدون دائمًا التّماهي بها.
- التّلاعب بالأفعال الفرديّة من خلال إيجاد ظروف تعدّل القناعات الجماعيّة: هذا مرتبطٌ بالنّقطة جيم، فتعديل القناعات الجماعيّة في تلك الحال يتمثّل في خلق قناعة تبيّن أنّ قيم المجتمع الغربيّ أفضل من قيم باقي المجتمعات، وهي فكرة خاطئة. ولتبسيط ذلك، نعطي مثالًا يُستخدم في التّسويق، فعندما يتمّ إيجاد قناعة لدى المجتمع بأنّ المنتج الفلانيّ يدلّ على النّجاح، يصبح لهذا المنتج صورةً ذهنيّة معيّنة – هذه استراتيجيّة ناجحة جدًّا- فأغلب من يشتري العلامات التّجاريّة الباهظة لا يشتريها لما هي عليه؛ بل للصّورة الّتي سيبدو من خلالها في أعين النّاس.
ثالثًا: علم النّفس كأداة تأثير
ولفهمٍ أعمق لما يجري اليوم من جنون عالميّ، حيث الكثير من الناس يعتقدون بأفكار غير منطقيّة وليست مبنيّة على أيّ أسس علميّة أو عقليّة، بل يهاجمون من يحاول لفت انتباههم. ولمعرفة كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه نشير إلى بعض التجارب النفسيّة الاجتماعيّة في القرن الماضي، فهي تساعد على فهم طريقة تفاعل الناس وكيف يُدار عالمنا:
- “Millgram Experiment“: سنة ١٩٦٣، أجرى باحث في جامعة “Yale” تجارب عدّة، فقد طلب من المتطوّع (أ) إجراء اختبار لذاكرة المتطوّع (ب) عن طريق توجيه صعقة كهربائيّة له، إذا كانت إجابته خاطئة – طبعًا لم تكن هذه الصّعقات حقيقيّة- ثمّ طلب من المتطوّع (ب) التّمثيل بأنّه يتألّم، ويتظاهر بالبكاء، ويستغيث طالبًا التوقّف والمساعدة، بينما يشجّع المتطوّع (أ) على الاستمرار.
النّتيجة: خلق مصطلحٍ جديدٍ في علم النّفس الاجتماعي هو انشار المسؤوليّة (diffusion of responsibility). يصف هذا المصطلح كيف يسوّغ الإنسان و يعذر نفسه عند القيام بعمل يضرّ الآخر خاصّةٍ أنّه يعتقد أنّ الضّرر ليس بسببه أو أنّه لن يتمّ محاسبته أو لم يكن يملك خيارًا آخر.
التّطبيق: يمكن ملاحظة هذه الظّاهرة في كلّ مكان، فالطّاغية عبر أجهزته، خاصّة وسائل التّواصل يسعى كي يدفع النّاس للتّصرّف خلاف مبادئهم الأخلاقيّة، ويشرّع الرّغبات الشّاذة، فيقعون ضحيّة توزيع المسؤوليّة أمام أنفسهم أوّلًا، ثمّ أمام الآخرين.
- “The Stanford Prison experiment” الشّهيرة: أنشِئت سنة ١٩٧١ في جامعة “Stanford”، محاكاة لسجن بكلّ تفاصيله، وقُسِّم المتطوّعون إلى مجموعتين: الحرس والسّجناء، وتعيّن على الحرس مخاطبة السّجناء فقط بأرقامهم لا بأسمائهم وإهانتهم، وتوجيه الأعمال الشّاقّة والمملّة لهم، والعديد من الشّروط والإجراءات الأخرى.
النّتيجة: تحوّل الحرّاس إلى ساديّين، وتفنّنوا في أساليب إهانة السّجناء وزرع الفتن لإنشاء العداوة بينهم. وفي النّهاية، أطاع السّجناء الحرّاس وخلصت التّجربة إلى أنّه إذا أُعطيت القدرة والطّاقة لإنسان ما وتمّ القضاء على الحسّ الإنسانيّ لديه، فسوف يصبح ساديًّا؛ فالنّاس إنّما يتصرّفون بما يتوافق مع المعاملة التي يتلقّونها.
التّطبيق: برز هذا التّطبيق واضحًا، خلال جائحة كورونا، بإعطاء السّلطات صلاحيّة جديدة في التّحكّم بحياة النّاس تحت عنوان الحماية، وتمّ استغلال هذه الصّلاحيات- كما حصل في كندا-عندما تظاهر أصحاب الشّاحنات؛ حيث عمدت السّلطة الكنديّة، وهي من الحكومات اليساريّة في العالم، إلى تغريم المشاركين في المظاهرات وتجميد حساباتهم البنكيّة، حتّى تجميد المساعدات الّتي كانت تصل إليهم عبر منصة “Gofundme” والتي كانت تبلغ الملايين في تجلٍّ غير مسبوق للسّلطويّة، ومنع الإنسان من التّعبير عن رأيه سلميًّا، وذلك تحت مرأى وسائل الإعلام والمجتمع الغربيّ. ويظهر هذا التّطبيق أيضًا من خلال إزالة روح الإنسانيّة في الغرب عن الأفراد غير الملقّحين، فأصبح من الطّبيعيّ في الإعلام تمنّي الموت لشريحةٍ كبيرةٍ من المجتمع وتصنيفهم على أنّهم مواطنون من الدّرجة الثّانية؛ بل إنّهم خطر على البشريّة، ليتّضّح لاحقًا عدم فعاليّة اللّقاح في الحماية من الإصابة وعدم انتشار الفايروس.
- “THE ASCH experiment“: جرت العام 1951، وتكرّرت مرّات عديدة وبطرائق مختلفة من خلال توجيه أسئلة بديهيّة سهلة جدًا مع إعطاء أجوبة متعدّدة يختار المتطوّع الإجابة الصّحيحة، فكانت النّتيجة أنّ ٩٩% من المتطوّعين أجابوا بشكلٍ صحيحٍ عندما كانوا منفردين، وعندما كانوا محاطين بمتطوّعين آخرين مطلوب منهم الإجابة بشكلٍ خاطئ لتضليل الآخرين، كانت النّتيجة ٦٣% إجابات صحيحة.
النّتيجة: الكثير من النّاس – نحو الثّلث- في تلك التّجربة غيّروا أفكارهم، أو على الأقلّ آراءهم وأقوالهم بما يتوافق والخطاب الذي يستمعون إليه، وإن كانوا يعلمون أنّهم على خطأ؛ فهناك الكثير ممّن يغيّرون معتقداتهم إذا شعروا أنّهم أقليّة.
التّطبيق: يحاول التيّار اليساريّ العالميّ إيهامنا بأنّ كلّ النّاس يفكّرون مثلهم، وأنّ ثقافتهم هي ثقافة الأكثريّة، عبر بثّ العناوين الشّموليّة التي يستخدمونها في وصف المجتمع الغربيّ. لكنّ الحقيقة ليست كذلك، لقد تحدّثت مع كثير من النّاس في أوروبا عن مواضيع المثليّة والجنوسة، فأبدوا اعتراضًا على تلك الأفكار عندما كان الحوار مغلقًا، ولكن حال وجود أشخاص غير معروفي التّوجّه، لاحظت أنّ هؤلاء الأشخاص أنفسهم يدعمون ويدافعون عن ثقافة المثليّة. وظهرت الحقيقة في صناديق الاقتراع، ففي السّويد، نجح التّيّار اليمينيّ الذي يشدّد على قيمة العائلة والهويّة الدينيّة المسيحيّة بتأمين الأكثريّة في انتخابات شهر أيلول ٢٠٢٢، وقد جمعت “Georgia Meloni” وحدها ما يقارب ال 26% من الأصوات، علمًا أنّ عنوان حملتها الانتخابيّة هو إعادة مبادئ الدّيانة المسيحيّة وبناء العائلة ومهاجمة ثقافة الـ “Woke”.
علينا أن نعلم إذًا أنّ النّخبة العالميّة الحاكمة تعلّم كلّ تلك الأساليب وأكثر منها بكثير، ويستخدمون الذّكاء الاصطناعيّ لتصنيف العالم، والقمع على شبكات التّواصل الاجتماعيّ، ومتأكّدون أنّهم يستطيعون دفع النّاس إلى القيام بأفعال تخالف إرادتهم ومبادئهم، وأنّهم يستطيعون استغلال السّلطة الممنوحة لهم من دون رقيب، وأنّ التّكرار والشّحن الدّائم يغيّر أفكار النّاس، حتّى في الحقائق الواضحة. والأهمّ من ذلك؛ هم يعلمون أنّ أغلب النّاس سوف يتّبعون القطيع بشكل أعمى من دون مراجعة أو مساءلة. إنّهم يعلمون ذلك كلّه، ويستغلّون أيّ ظرف لتمرير أجندتهم في الإعلانات والمقالات والبرامج الحواريّة والأفلام والأغاني وفي الـ “Trends”، و الـ “Viral Hashtags” على وسائل التّواصل، وفي الحروب و حتى في الكوارث الصّحيّة.
استهداف الأبويّة ونهاية النّظام الأُسريّ
نحن نشهد، اليوم، تحوّلاتٍ جذريّة في تركيب النّظام الأُسريّ بشكل خاصّ. فقد ظهرت اتّجاهات نس…
هذا المقال عميق في المضمون ونحتاج لاعطاء امثلة اكثر وابسط ويعتبر خطوة مهمة لمواحهة اساليب التضليل والسيطرة ومن ثم ادارة الحروب كما يرون مصالحهم والقضاء على جميع القيم الانسانية الي لا تتناسب مع اهوائهم
نحتاج الى المزيد من هذه المقالات ونشرها على اوسع نطاق