‫الرئيسية‬ فكر إجتماعي معاصر الجندر مقالات الشّذوذ الجنسيّ وتغيير خلق الله تعالى في الرؤية القرآنيّة
مقالات - 10/02/2023

الشّذوذ الجنسيّ وتغيير خلق الله تعالى في الرؤية القرآنيّة

زهرة بدر الدّين [1]


[1] – – باحثة في العلوم الإسلاميّة.

تناول القرآن الكريم موضوع الشّذوذ الجنسيّ، بشكل واضح، فرغم استخدامه فنون البلاغة من الكناية والتّشبيه في مواضيع كثيرة، إلَّا أنّه في هذا المورد كان الأمر مختلفًا، فقد ذكر الشّذوذ بمسميّاته الواضحة، وذلك لشدّة قبحه وعدم احتمال تأويله، وعدّه مرضًا يدّمر الفرد والمجتمع؛ حيث لا يتناسب معه سوى علاج دفن الشّاذ في الأرض وقايةً للنّاس من الأمراض التي قد ينقلها إليهم. كما توعّده الله بالعذاب الدّنيويّ والأخرويّ. وكلّ ممارسة لعمل جنسيّ خارج إطار الزواج الشّرعيّ يدخل تحت عنوان الشّواذ: ﴿فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[1]

الشّذوذ في القرآن الكريم:

تحدث القرآن الكريم عن المثليّة الجنسيّة أو الشّذوذ الجنسيّ على عدّة أشكال، فيُمكن الإشارة للشذوذ الجنسيّ على أنّه ميل الرّجال للرّجال أو ميل النّساء للّنساء،  والزّنا، وما يتبع هذا الأمر من استمتاع بالمحرّمات، سواء كان هذا الميل عبر النّظر أو اللّمس أو العلاقة الجنسيّة التامة. وقد كان قوم لوط (عليه السّلام)ـ أوّل من صدرت عنهم هذه الفاحشة، وانتشرت بينهم، وذلك ما ورد في قول الله تعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ [2]، وقال تعالى أيضًا: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجال شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [3] .

كما وتطلق الفاحشة على الزّنا، إذ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾[4]. فقد ذمّ القرآن الكريم هذا الفعل الشّنيع. فرغم تسويغ دعاة المثليّة لفعلهم، وتغيير تسميته، والادّعاء بأنّه فعل مغاير لفعل قوم لوط (ع)، فأطلقوا عليه مصطلح “الزّواج المثليّ”، إلَّا أنّ ذلك لا يخرجه عن تسمية الفاحشة التي ذكرت في الأيات الشّريفة. فقد اتّفق العلماء بإجماع الآراء على حُرمة الشّذوذ الجنسيّ وبئس فعل فاعله، سواء كان هذا الشّذوذ بين الرّجال أم النّساء، أم مع الحيوانات والبهائم. وقد توّعد الله (عزّ وجلّ) لمن يفعل هذا الفعل القبيح بسوء العاقبة في الدّنيا والآخرة، وأن يكون مصيره كمصير قوم لوط، كما جاء في قول الله تعالى:” ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ [5].


علّة تحريم الشّذوذ الجنسيّ

 أ- علّة تحريم اللّواط :

  1. انقطاع النّسل وفساد الدّنيا، فقد ورد عن  الإمام الرضا (عليه السّلام) علّة تحريم الذكران للذكران والإناث للإناث، لما رُكّبَ في الإناث وما طُبِعَ عليه الذكران، ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النّسل، وفساد التدبير، وخراب الدّنيا” [6] .
  2. الاستغناء عن النّساء:  الإمام الصادق (عليه السّلام) لما سأله الزّنديق عن علّة تحريم اللّواط؛ فقال: “من أجل أنّه لو كان إتيان الغلام حلالًا لاستغنى الرّجال عن النّساء، وكان فيه قطع النّسل، وتعطيل الفروج، وكان في إجازة ذلك فساد كثير” .[7]

   تعرَّض السّيّد الطّباطبائيّ إلى تفسير الآية الكريمة؛ موضّحًا كلّ مفردة :﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾؛ الاستفهام للإنكار والتّوبيخ، والذكران جمع ذكر مقابل الأنثى، وإتيانهم كنايةً عن اللّواط. وكان قد شاع في ما بينهم، والعالمين جمع عالم وهو الجماعة من النّاس. وقوله: ” من العالمين” يمكن أن يكون متّصلاً بضمير الفاعل في” تأتون”، والمراد أتأتون أنتم من بين العالمين هذا العمل الشّنيع؟ فيكون في معنى قوله في موضع آخر: ” مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ “، ويمكن أن يكون متّصلًا بقوله: ” الذكران”، والمعنى على هذا أتنكحون من بين العالمين – على كثرتهم واشتمالهم على النّساء – الرّجال فقط؟” .[8]

   كما وذمّ القرآن الكريم ترك الزّواج وما خلقه الله لكم، والانصياع وراء أمر الشّيطان إلى العلاقات الشّاذة بين ضمن الجنّيّ الواحد، وقد أشار السّيد الطّباطبائيّ إلى علّة تحريم اللّواط من الآية الشّريفة في قوله تعالى: ﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ [9]” تذرون ” بمعنى تتركون، ولا ماضي له من مادّته، والمتأمل في خلق الإنسان وانقسام أفراده إلى صنفيّ الذكر والأنثى وما جُهّز به كلّ من الصنفين من الأعضاء والأدوات وما يختصّ به من الخلقة، لا يرتاب في أنّ غرض الصّنع والإيجاد من هذا التّصوير المختلف وإلقاء غريزة الشّهوة في القبيلين، وتفريق أمرهما بالفعل والانفعال أن يجمع بينهما بالنّكاح ليتوسل بذلك إلى التناسل الحافظ لبقاء النّوع حتى حين. فالرّجل من الإنسان، بما هو رجل مخلوق للمرأة منه لا لرجل مثله، والمرأة من الانسان بما هي امرأة مخلوقة للرجل منه لا لامرأة مثلها. وما يختصّ به الرّجل في خلقته للمرأة، وما تختصّ به المرأة في خلقتها للرجل، وهذه هي الزوجيّة الطبيعيّة التي عقدها الصّنع والإيجاد بين الرّجل والمرأة من الإنسان فجعلهما زوجين” [10].

ب– علّة تحريم إتيان البهائم:

  تكمن العلّة من أجل بقاء استئناس الرّجال بالنّساء والنّساء بالرّجال، وللحدّ من الفساد في المجتمع : سئل الامام الصادق (عليه السّلام)  فلم حرّم إتيان البهيمة؟  قال (عليه السّلام):”  كره أن يضيّع الرّجل ماءه، ويأتي غير شكله، ولو أباح ذلك لربط كلّ رجل أتانا[11] يركب ظهرها ويغشى فرجها، فكأن يكون في ذلك فساد كثير، فأباح ظهورها، وحرّم عليهم فروجها، وخلق للرجال النّساء ليأنسوا بهن، ويسكنوا إليهن، ويكن موضع شهواتهم وأمهات أولادهم[12]“.

إذًا؛ الميول الجنسيّة المخالفة للطبيعة الإنسانيّة، تحت أي عنوان سميت، تدخل تحت عنوان الشّذوذ. فقد أشار الشّيرزايّ”، في “تفسير الأمثل”، إلى فلسفة تحريم الميول الجنسيّة الشّاذة والإبقاء على فسادها رغم التّصريحات الدّوليّة والمنظّمات العالميّة لها بالتّساهل معها والدعوة إليها، ويقول:” مع أنّ العالم الغربيّ ملئ بالانحرافات الجنسيّة، وهذه الأعمال السّيئة قد باتت متعارفة؛ حيث بعض الدّول- مثل بريطانيا- وطبقًا لقانون صدر بكلّ وقاحة من المجلس النيابيّ فيها يجوّز هذا الموضوع- اللّواط أو السّحاق- ولكنّ شيوع هذه المنكرات لا يخفّف من قبحها ومن مفاسدها الأخلاقيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة. فبعض أتباع المذاهب الماديّة الذين تلوَّثوا بمثل هذه المنكرات يقولون: نحن لا نجد محذورًا طبيًا في هذا الأمر. ولكنّهم لم يلتفتوا إلى أنّ كلّ انحراف جنسيّ له أثره السّلبيّ في روحّية الإنسان وبنائه النّفسيّ، حيث يفقده توازنه”.[13]

إنّ مثل هذا الشّذوذ الجنسيّ هو بلاء وانحراف عن الطّبيعة الإنسانيّة والميول الفطريّة، سواء كان في أوساط الرّجال ” اللّواط”  أم في أوساط النّساء “المساحقة”،  وهو من أسوأ الانحرافات الأخلاقيّة، ومصدر المفاسد الكثيرة في المجتمع. وذلك على أساس: “إنّ طبيعة كلّ من الرّجل والمرأة” مخلوقة بشكل يمنح الهدوء والإشباع الصّحيح السّالم في العلاقة الجنسيّة بينهما عن طريق الزّواج المشروع، وأيّ نوع من الميول الجنسيّة في غير هذه الصّورة هو انحراف عن طبع الإنسان الصّحيح، وهو نوع من الأمراض النّفسيّة، والذي لو قُدّر له أن يستمر يشتدّ خطره يومًا بعد يوم، وتكون نتيجته البرود الجنسيّ بالنسبة إلى ما بين الرّجل والمرأة، والإشباع غير الصّحيح من الجنس المماثل، أي اللّواط أو السّحاق.[14]

إنّ أمثال هؤلاء الرّجال والنّساء المنحرفين جنسيًا يبتلون بضعف جنسيّ شديد، ولا يستطيعون أن يكونوا آباءً وأمهات صالحين لأبنائهم في المستقبل. وربما يصبحون غير قادرين حتّى على الإنجاب بصورة كلّية؛ فـــ” بسبب هذا الانحراف؛ فإنّ حال المنحرف جنسيًا ستؤدّي به إلى الضّياع والغربة والانزواء الاجتماعيّ والمرضيّ: ” ويغدون بالتدريج منزوين منعزلين عن المجتمع، ويحسّون بالغربة في مجتمعهم وفي أنفسهم أيضا، كما يبتلون بانفصام الشخصيّة، وإذا لم يهتموا بإصلاح أنفسهم، فمن الممكن أن يبتلوا بأمراض جسميّة ونفسيّة مختلفة”[15].

التعبير القرآني بكلمة الفاحشة يُقصد منها كلّ عمل قبيح، ويتناول أي سلوك جنسيّ شاذ. وقد ورد في قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾[16]؛ والمراد من الفواحش هي: المعاصي البالغة قبحًا وشناعةً، مثل الزّنا واللّواط ونحوهما، والإثم هو الذّنب الذي يستعقب انحطاط الإنسان في حياته ذلةً وهوانًا وسقوطًا، مثل شرب الخمر الذي يستعقب للإنسان تهلكة في جاهه وماله وعرضه ونفسه ونحو ذلك، والبغي هو طلب الإنسان ما ليس له بحقّ، مثل أنواع الظلم والتعدّي على النّاس والاستيلاء غير المشروع عليهم، ووصفه بغير الحقّ من قبيل التوصيف باللّازم نظير التقييد الذي في قوله: ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا .. [17] ﴾.

وعيد الله تعالى حول الشّذوذ الجنسيّ

نظرًا إلى شدّة قبح هذه الفاحشة وبغية الحدّ منها، أو تحاشيًا لوقوعها بعد حادثة قوم لوط، فقد أوجب لها الله تعالى عقابًا شديدًا، كما في قوله: ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ﴾ [18]؛ هذا تحذير صريح وشديد اللّهجة موجّه للشّاذيين من قوم لوط مع قوم نوح، وهود وصالح، ولكلّ من يندرج تحت هذا العنوان. 

الشّذوذ الجنسيّ تغيير لخلق الله تعالى:

إنّ الشّذوذ الجنسيّ هو مصطلحٌ مُستحدث يُطلق على الممارسات الجنسيّة كافّة، غير الطبيعيّة المخالفة للفطرة الإنسانيّة التي فطر اللهُ عَزَّ و جَلَّ الناسَ عليها. ويُعدّ هذا الشّذوذ من وَجهة نظر الشّريعة الإسلاميّة، سلوكًا خاطئًا وحالةً مرَضيّة وممارسة غير طبيعيّة، وخُلُقًا منحرفًا عن الفطرة الإنسانيّة السّليمة. كما يُعَدُّ الشّاذ جنسيًا عاصيًا لله جَلَّ جَلالُه؛ فيستحقّ العقاب في الدّنيا والآخرة ما لم يَتُب إلى الله الغفور الرّحيم؛ وذلك لأنّ الشّذوذ الجنسيّ يُعَدُّ عدوانًا وظلمًا وتجاوزًا لحدود الله ومغيرًا للفطرة التي خلق النّاس عليها، وهي الزّواج الطبيعي الذي شرّعه الله تعالى، كما في قوله عَزَّ وجَلَّ: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَإِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ[19] .

كما يحذّر الله تعالى من التعدّي إلى غير هذا الزواج، إذ يقصد ” فَمَنِ ابْتَغَى ورَاء ذَلِكَ ” هو كلّ أنواع الممارسات والاستمتاعات الجنسيّة الخارجة عن إطار العلاقات الزوجيّة المشروعة التي أباحها الله (عَزَّ و جَلّ)َ لعباده (الزّنا، اللّواط، السّحاق، العادة السّريّة، إتيان الحيوانات،..) وغيرها من أنواع الممارسات الجنسيّة الممنوعة في الشّريعة الإسلاميّة، والتي تُعَدُّ من الشّذوذ الجنسيّ، وهناك كثير من الآيات القرآنيّة المباركة التي تنصّ على تحريم هذه الأفعال الشنيعة والشّاذة؛ منها:

  1. تحريم اللّواط: قال الله تعالى: ﴿ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ[20] .
  2. تحريم الشّذوذ والفاحشة أينما صدفت:  وقوله تعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ منَ الْعَالَمِينَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرّجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النّساء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ[21] .
  3. 3-   تحريم الزنا:  قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾[22] .

تحريم الفواحش الظاهرة في المجتمع، والتي لم تظهر، حيث يقوم به الفرد بالسرّ: قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾[23] .

  • حرمة تغيير خلق الله تعالى كما في قوله  تعالى: ﴿ وَلأُمَنِيَنَّهُم وَلآمُرَنٌّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنعَامِ وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطَانَ وَلِيًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَد خَسِرَ خُسرَانًا مٌّبِينًا * يَعِدُهُم وَيُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إِلاَّ غُرُورًا ﴾. [24]

مصاديق تغيير خلق الله:

يُطلق على تغيير خلق الله  عناوين عديدة، سُميّ البعض بتسميات، والبعض الآخر يندرج تحت عنوان كلّيّ له مصاديق تندرج تحته:

  1. دين الله: ويُقصد منه الأوامر والنواهي والاعتقادات، وغيرها ممّا يصدق عليه عنوان الدّين، وهو عنوان عام ، فقد ورد عن جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قول الله ” ولآمرنهم فليغيّرن خلق الله ” قال: دين الله.”  [25] .
  2. أمر الله وما أمر به: وهو عنوان عام، يندرج تحته كلّ أمر إلهيّ ورد في الشّريعة السّمحاء، فقد ورد عن “محمّد بن يونس” عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في قول الله ” ولآمرنَّهم فليغيّرن خلق الله ” قال: أمر الله بما أمر به.[26]
  3. تغيير الخلقة والشّكل:  كلّ عنوان يصدق عليه تغييرًا لخلق الله تعالى، سواء كان التحريف أو تغيير الجنس أو الدّين وغير ذلك، كما في قوله تعالى ” وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ “؛ أي: لآمرنهم بتغيير خلق الله، فليغيّرنه. ولهذا التغيير عدة معانٍ، أشار إلى ذلك في مجمع البيان:” واختلف في معناه فقيل: يريد دين الله وأمره، وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) ويؤيّده قوله سبحانه وتعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ ، وأراد بذلك تحريم الحلال، وتحليل الحرام وقيل: أراد معنى الخصاء، وكرهوا الإخصاء في البهائم” .[27]

 لقد تعرّض معجم “لسان العرب” إلى بيان معنى قوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾، فقال: ” قيل: معناه دين الله؛ لأنّ الله فطر الخلق على الإسلام وخلقهم من ظهر آدم (عليه السّلام) ، كالذر، وأشهدهم أنّه ربّهم وآمنوا، فمن كفر فقد غيّر خلق الله. وقيل: هو الخصاء؛ لأنّ من يخصي الفحل فقد غيّر خلق الله، وقال الحسن ومجاهد: فليغيّرن خلق الله؛ أي دين الله، قال ابن عرفة: ذهب قوم إلى أنّ قولهما حجّة لمن قال الإيمان مخلوق ولا حجّة له؛ لأنّ قولهما دين الله أرادا حكم الله، والدّين الحكم؛ أي فليغيّرن حكم الله والخلق؛ الدّين. وأما قوله تعالى: لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، قال قتادة: لدين الله، وقيل: معناه أنّ ما خلقه الله فهو الصّحيح، لا يقدر أحد أن يبدّل معنى صحّة الدّين. وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ؛ أي قدرتنا على حشركم كقدرتنا على خلقكم” .[28]

كما يورد “الرّازي” عدّة معاني لكلمة التغيير الواردة في الآية الشّريفة، إذ يقول:” المراد ما روى عبد الله بن مسعود عن النبي (ص):

  1. لعن الله الواصلات والواشمات”؛ قال وذلك؛ لأنّ المرأة تتوصل بهذه الأفعال إلى الزنا.
  2. الإخصاء: روي عن “أنس وشهر بن حوشب” وعكرمة وأبي صالح أنّ معنى تغيير خلق الله، ههنا، هو الإخصاء وقطع الآذان وفقء العيون، ولهذا كان “أنس” يكره إخصاء الغنم، وكانت العرب إذا بلغت إبل أحدهم ألفا عوّروا عين فحلها”.
  3. التّخنّث أي السّحاق: قال “ابن زيد” هو التّخنّث، وأقول: يجب إدخال السّحاقيّات في هذه الآية على هذا القول؛ لأنّ التّخنّث عبارة عن ذكر يشبه الأنثى، والسّحق عبارة عن ذكر يشبه الأنثى، والسّحق عبارة عن أنثى تشبه الذكر.
  4. إتيان البهائم: حكى “الزّجاج” عن بعضهم أنّ الله تعالى خلق الأنعام ليركبوها ويأكلوها فحرّموها على أنفسهم، مثل البحائر والسّوائب والوصائل، وخلق الشّمس والقمر والنّجوم مسخّرة للنّاس ينتفعون بها، فعبدها المشركون، فغيّروا خلق الله” [29].

خاتمة:

تبيّن أنّ الشّذوذ الجنسيّ هو عمل قبيح وشنيع، ذمّه القرآن الكريم وتوعّد عليه بالعذاب العظيم، وكلّ قوننة تعمل عليها الدّول والمنظّمات الدّوليّة كي يستحسنه النّاس لا تخرجه عن قبحه الذاتيّ مهما كانت تسمياته؛ بل كلّ ما يُعدّ خروجًا عن الفطرة التي فطر الله تعالى الخلق عليها هو عمل شاذّ، قبّحه الشّارع المقدّس، وحرّمه الفقهاء، ويستقبحه الذوق العقلائيّ.

قائمة المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم.
  2. محمّد الريشهري، ميزان الحكمة ،ج 4.    
  3. محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان في تفسير القرآن،ج 15.
  4. ميزان الحكمة ، ج 4 .
  5. ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، ج 7.
  6. محمد بن مسعود العياشي، ج1.
  7. الطبرسي،  تفسير مجمع البيان ، ج 3.
  8. محمد بن مكرم ابن منظور،  لسان العرب ج10.
  9. الرازي، تفسير الكبير، ج11.

[1] – سورة المؤمنون ، الأية 7.

[2]– سورة  الأعراف، 80.

[3] – سورة لاعراف ، 55.

[4] – سورة الإسراء، 32.

[5]– سورة  الحجر، 72-74.

[6] – محمّد الريشهري، ميزان الحكمة ،ج 4 ، ص 2806.         

[7] – المصدر نفسه.

[8]– محمد حسين الطباطبائي، تفسير الميزان في تفسير القرآن،ج 15 ص 309.

[9] – سورة الشعراء، الأية 166.

[10] – تفسير الميزان ، ج 15 ،ص 309.   

[11] – أنثى الحمار.

[12]–  ميزان الحكمة ، ج 4 ، ص 2806. 

[13]– ناصر مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، ج 7، ص 28. 

[14]–  المصدر نفسه، ج 12، ص 377.         

[15]–  المصدر نفسه، ج12، ص 377.      

[16] – سورة الإعراف، الأية 33.

[17]–  تفسير الميزان ج8، ص 85.      

[18]  – سورة هود، الآية  89.

[19]  – سورة المؤمنون، الآيات 2-3-4.

[20]–  سورة الشعراء، الآيات 165-166.

[21]– سورة الأعراف، الآية 80.

[22]– سورة الإسراء، الآية 32.

[23] – سورة الأعراف، الآية 33.

[24]– سورة النساء، الآيات  119-120.

[25] – محمد بن مسعود العياشي، ج1، ص 276.

[26]–  تفسير العياشي، م.ن، ص 276.      

[27] – الطبرسي،  تفسير مجمع البيان ، ج 3، ص 195. 

[28]– محمد بن مكرم ابن منظور،  لسان العرب ج10، ص 85.     

[29]– الرازي، تفسير الكبير، ج11، ص 49. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الإلحاد الجديد: قراءة نقديّة في البنى الإبستمولوجيّة

إنّ تناول مسألة الرّؤى المناهضة للدّين بنسخته الكاملة، الشّاملة للمعتقدات والقيم والتّشريع…