‫الرئيسية‬ فكر إجتماعي معاصر الجندر مقالات ظاهرة عكس التّحوّل (DE transitioning) الأسباب والدّلالات
مقالات - 12/25/2023

ظاهرة عكس التّحوّل (DE transitioning) الأسباب والدّلالات

زينة فخري[1]


[1] – باحثة في العلوم التّربويّة.

شهِدت ظاهرة “اضّطراب الهويّة الجندريّة”[1]، في العقود الأخيرة، زيادةً هائلةً في الغرب، وعليه ارتفعت أعداد المتحوّلين جنسيًّا؛ إن كان تحوّلًا اجتماعيًّا عبر تغيير الاسم، الضّمير، اللّباس أو قانونيًّا عبر تغيير الهويّة، أو حتّى طبّيًّا من خلال تلقّي العلاج الهرمونيّ، وأحيانًا إجراء عمليّة جراحيّة.

إنّ “عكس التّحوّل” وكما يدلّ عليه الاسم، هو عبارة عن العودة اجتماعيًّا أو وقف العلاج الهرمونيّ أو حتّى إجراء عمليّة جراحيّة من جديد، للعودة إلى الجنس البيولوجيّ عند الولادة. ففي بريطانيا، زاد عدد الشّباب المشخّصين باضطراب الهويّة من 97 شخصًا في العام 2009م إلى 2510 في 2017م-2018م، بما يزيد عن 4000 في المئة في 10 سنوات. وفي الولايات المتّحدة الأميركيّة، في العام 2021م، تلقّى نحو 42000 طفل ومراهق تشخيصًا باضّطراب الهويّة الجنسيّة، وهو ما يقارب  ثلاثة أضعاف الرّقم في العام 2017م، تبعًا لبيانات “كومودو” التي جمعتها وكالة “رويترز”.[2]

إنّ تأييد مبادئ “يوغيكارتا[3] (Yogyakarta Principles) المنصوص عليها في مذكّرة حقوق الإنسان تشير إلى أنّ :”كلّ شخصٍ لديه مطلق الحريّة في تحديد هويّته الجنسيّة الخاصّة به من جهة، وانتشار بعض الادّعاءات مثل “طفل متحوّل أفضل من طفلٍ ميّت” من جهة أخرى، إضافةً إلى اعتماد سياسة تشجيع الأطفال في المدارس على التّساؤل عن كونهم فتاة أو صبيّ. ففي الواقع، بحسب ما أفادت “جوانا ويليامز” في كتابها Women vs Feminism : “كلّ ذلك وغيره لم يجعل هذه الطّفرة في الغرب مستغربة. إنّما المفارقة في السّنوات الأخيرة كانت في بدء ظهور أشخاص على مواقع التّواصل الاجتماعيّ يعبّرون عن رجوعهم عن التّحوّل أو عكس التّحوّل، على غرار “ديبي Debbie” التي خضعت في عمر الرابعة والأربعين لعمليّة تحوّلت فيها إلى رجل كي تصبح مقبولة في محيطها؛ ولكنّها ندمت بعد ذلك لتعود إلى جنسها البيولوجيّ[4]. وكشفت دراسة استقصائيّة أجريت على715 27 شخصًأ متحوّلًا أجراها المركز الوطنيّ للمساواة بين الجنسين في الولايات المتّحدة، أنّ 8% منهم أقدموا على عكس التّحوّل[5] .

بـالرّغم من ضآلة هذه النِّسب، والتي قد يكون مرجعها قلّة الدّراسات من جهة، وردّ الفعل السّلبيّة التي قد يتعرّض لها هؤلاء؛ إن قرّروا التّحدّث في العلن من جهة أخرى. إضافة إلى أنَّ بعضهم لا يعلم الطّبيب بعودتهم عن التّحوّل[6]؛ إلّا أنّ وجود ظاهرة عكس التّحوّل بذاته يعدُّ مؤشِّرًا مشروعًا لطرح بعض التّساؤلات. فما هي الأسباب التي دعت المتحوّلين جنسيًّا إلى العودة عن قرارهم؟ وما هي بعض دلالات هذة الظّاهرة؟

أسباب التّحوّل:

يظهر، في الدّراسة الاستقصائيّة التي أجراها المركز الوطنيّ للمساواة بين الجنسين في الولايات المتّحدّة العام 2015م، أنّ  %36من الذين أقدموا على عكس التّحوّل أرجعوا السّبب لضغط الوالدين، 33% لصعوبات في عمليّة التّحوّل، 31% للتّعرّض للتّمييز و29% لصعوبة الحصول على عمل. في حين أنّ معظم هذه الأسباب تقع تحت عنوان “الأسباب الخارجيّة”. يقول ثلاثة رجال خضعوا لعمليّات تحوّل جنسيّة إلى امرأة، في معرض سؤالهم عن سبب عكسهم التّحوّل، في الفيلم الوثائقيّ بعنوان “I want my sex back”:

  • “بعد سبعِ سنوات من كوني امرأة، كان من المفترض أن تختفي مشكلتي؛ ولكن لم يحدث ذلك”
  • ” كنت آمل أن يجعلني التّحوّل الجنسيّ أشعر بالكمال؛ ولكنّه لم يحلّ مشكلتي”.
  • “عندما بدأت عكس التّحوّل، كلّ شيء أصبح منطقيًا بالنّسبة إليّ، وعندها أدركت مدى أهميّة عكس التّحوّل لأصبح شخصًا سليمًا نفسيًّا، عاطفيًّا واجتماعيًّا”.

اشترك المشاركون في أنّ التّحوّل الجنسيّ لم يحلّ أزمة اضّطراب الهويّة الجنسيّة عندهم. وهذا ما بيّنته دراسة[7] أجريت على 237 شخصًا ممّن خضعوا لعكس التّحوّل بنسبة 50%، وتوزّعت الأسباب الأخرى بنسب متفاوتة، فأعرب 70% منهم أنّهم رجعوا إلى جنسهم الأساس؛ لأنّهم أدركوا أنّ منشأ اضطراب الهويّة الجنسيّة عندهم كان مردّه إلى أسباب أخرى، 63% منهم أبدوا تخوّفًا على الصّعيد الصّحّيّ، 45% ظنّوا أنّهم وجدوا حلولًا أخرى للتّعامل مع اضّطراب الهويّة الجنسيّة، في حين أنّ 44% لم يعجبهم ما آل إليه وضعهم الاجتماعيّ.

اتّفقت هذه الدّراسة مع دراسات أخرى في عدد من الأسباب، بينما أعرب 60% من الّذين خضعوا لعكس التّحوّل في دراسة أجريت على 100 شخص[8]، أنّ السّبب كان في أنّهم أصبحوا أكثر راحة مع جنسهم عند الولادة، و38% منهم توصّل إلى أنّ اضطراب الهويّة الجنسيّة عندهم كان ناتجًا عن صدمة أو سوء معاملة أو حالة صحيّة عقليّة[9]، وهذا ما حاول مخرج الفيلم الوثائقيّ (Detransitioner) إيصاله، إذ بيّنَ من جهة، أنّ عددًا كبيرًا من العوامل الطّبيّة والاجتماعيّة تسهم في تفاقم الأعداد الحاليّة للتّحوّل الجنسيّ من بينها عامل التّوحّد، التّأثير الإباحيّ، تأثير الصّدمة وغيرها.

من جهة أخرى يشرح “بيللي” (متحوّل جنسيّ اختار العودة إلى جنسه البيولوجيّ)ـ، في هذا الوثائقيّ، كيف أنّ الاعتداء الجنسيّ يؤدّي إلى التّحوّل الجنسيّ. كما يعزو كلّ من الرّجال الثّلاث في الوثائقي “I want my sex back” مشكلتهم في اضّطراب الهويّة الجنسيّة إلى عامل صدمةٍ في الطّفولة: خسارة إنسان مقرّب، التّحرّش الجنسيّ، إدمان الوالد على الكحول مع إصابة الوالدة بأمراض عقليّة.

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الغالبيّة العظمى من أولئك الذين يبلّغون عن اضطراب في الهويّة الجنسيّة ويسعون إلى التّحوّل – بأيّ نوعٍ من أنواعه – ثمّ عكس التّحوّل هم من المراهقات أو الشّابّات البالغات.[10] ويعزو الطّبيب النّفسيّ “جوردن بيترسون”[11] ذلك إلى طبيعة الأنثى عند البلوغ؛ فهي تعاني ارتفاعًا في معدّل العواطف السّلبيّة، وغالبًا ما تتركّز هذه العواطف في الجسد نتيجة الثّقافة القائمة على تقويم المرأة تبعًا لمظهرها الخارجيّ.

تحليل واستخلاص:

بناءً على ما تقدّم، إنّ الأسباب التي دعت إلى عكس التّحوّل، تنوّعت بـين أسباب خارجيّة وأخرى داخليّة. ولكن يظهر، من خلال تتبّع سنوات الدّراسات، أنّ العوامل الدّاخليّة برزت بشكلٍ أوضح في السّنوات الأخيرة، مقابل العوامل الخارجيّة التي بدأت تتراجع، ولعلّ ذلك يرجع إلى الثّقافة التي أخذت تنتشر دعمًا للمتحوّلين جنسيًّا.

وعليه؛ يمكن القول إنّ ظاهرة عكس التّحوّل ألقت الضّوء بشكلٍ أكبر على المشاكل النّفسيّة والعقليّة التي يعانيها الإنسان الذي لجأ في المقام الأوّل إلى التّحوّل، كما تبيّن أنّ التّحوّل الجنسيّ لا يمكن أن يكون حتّى عاملًا مساعدًا في حلّ هذه المشاكل؛ بل قد يؤدّي على النّقيض من ذلك إلى تفاقمها، خاصّة مع الخضوع للعلاج الهرمونيّ والعمليّات الجراحيّة. ففي السّويد، وعلمًا أنّ ثقافة هذا البلد تدعم المتحوّلين جنسيًّا، تبيّن أنّه بعد 10 إلى 15 عامًا من التّحوّل، ارتفع معدّل الانتحار لأولئك الذين خضعوا لجراحة تغيير الجنس إلى 20 ضعف نظرائهم[12].

في هذا الصّدد؛ تقول “آنا هتشينسون”- أخصائيّة نفسيّة إكلينيكيّة في مركز خدمة تطوير الهويّة الجنسيّة – ” إنّ ما يحتاجه بعض المرضى قد لا يكون ما يريدونه”.

ختامًا

في عالم غربيّ تحكمه المادّة، يشخّص الإنسان بـ”اضّطراب الهويّة الجنسيّة”، ويوجّه نحو التّحوّل الجنسيّ بطريقة أو بأخرى والعبث بخلقه الذي قال الله تعالى فيه:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، وذلك لعلاج حاله تمامًا كمن يكسر يده اليمنى، فيقول له الطّبيب هذه هي طبيعتك الحقيقيّة الآن، وما سنفعله أنّنا سوف نكسر يدك اليسرى. بهذا، هم لا يتّجهون إلى معالجة السّبب الفعليّ القابع داخليًّا لهذا الاضّطراب. في هذا الشّأن يقول الدكتور” باتريك لابيرت”[13]: “إذا كنت تعتقد أن السّبب بيولوجيًا، فهل حصل أن وقع كويكب على الأرض وسبّب هذه الطّفرة الهائلة في الجينوم البشريّ، أم أنّه شيء في مياه الشّرب في البلدة جعل كلّ الفتيات الصّغيرات يعتقدن أنّهن أولاد! لا أحد يطرح أسئلة حول الواقع البيولوجيّ؛ لأنّهم يعرفون أنّها عمليّة نفسيّة ولا يريدون معالجة ذلك”.

في ختام الدّراسة على المئة شخص الذين أقدموا على عكس التّحوّل، كان السّؤال عن الطّرائق التي يرونها أفضل من “التّحوّل الجنسي” للتّعامل مع “اضّطراب الهويّة الجنسيّة”؛ فجاءت الرّدود على الشّكل التّالي: 44% لليقظة الذّهنيّة، 41% للتّأمّل، 39% للتّمارين، 24% للعلاج من الصّدمات، 18% لتناول دواء لعلاج حالة نفسيّة و14% لليوغا.

حقيقة، كلّ هذا يحتّم الرّجوع إلى أساس مفهوم “اضطراب الهويّة الجنسيّة”، كما ويدعو إلى طرح أسئلة أساسيّة أعمق من ذلك بكثير. فهل يمكن أصلًا تحويل امرأة إلى رجل بيولوجيًّا أو العكس؟ وحتّى مع الإذعان إلى أنّ ذلك ممكن بيولوجيًّا، فهل ذلك يعني أنّ الرّجل أصبح امرأة أو العكس؟ عندها ما معنى الرّجل؟ وما معنى المرأة؟ وماذا عن عكس التّحوّل؟ هل تغيّر الإنسان أصلًا ليعود عن التّحوّل؟ هل الإنسان هو عبارة عن ذلك الجسد الذي بتغيُّر بعض أعضائه أو هرموناته يتغيّر هو؟

لائحة المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم
  2. https://www.reuters.com/investigates/special-report/usa-transyouth-data/
  3. 3.    –https://www.youtube.com/watch?v=fDi-jFVBLA8
  4. – James SE, Herman JL, Rankin S, Keisling M, Mottet L, Anafi M. The Report of the 2015 U.S. Transgender Survey. – Washington, DC: National Center for Transgender Equality; 2016.
  5. – Elie Vandenbussche (2022) Detransition-Related Needs and Support: A Cross-Sectional Online Survey, Journal of Homosexuality, 69:9, 1602-1620, DOI: 10.1080/00918369.2021.1919479
  6. – Littman L. Individuals Treated for Gender Dysphoria with Medical and/or Surgical Transition Who Subsequently Detransitioned: A Survey of 100 Detransitioners. Arch Sex Behav. 2021 Nov;50(8):3353-3369. doi: 10.1007/s10508-021-02163-w. Epub 2021 Oct 19. PMID: 34665380; PMCID: PMC8604821.
  7. – Littman L. Individuals Treated for Gender Dysphoria with Medical and/or Surgical Transition Who Subsequently Detransitioned: A Survey of 100 Detransitioners. Arch Sex Behav. 2021 Nov;50(8):3353-3369. doi: 10.1007/s10508-021-02163-w..
  8. – Dhejne C, Lichtenstein P, Boman M, Johansson AL, Långström N, Landén M. Long-term follow-up of transsexual persons undergoing sex reassignment surgery: cohort study in Sweden. PLoS One. 2011 Feb 22;6(2):e16885. doi: 10.1371/journal.pone.0016885.

[1] – حال الاضطراب النّاجمة عن شعور الفرد بـعدم التّوافق بين هويّته الجندريّة وجنسه البيولوجيّ.

[2]https://www.reuters.com/investigates/special-report/usa-transyouth-data/

[3] – هي مجموعة مبادئ لتطبيق معايير القانون الدّولي لحقوق الإنسان فيما يتعلّق بالتّوجه (الميول) الجنسيّ والهويّة الجنسيّة. وذلك للتصَّدّي للإساءة لحقوق الإنسان على السُّحاقيّات ومثليّي الجنس ومزدوجي الميول الجنسيّة والمُتحولّين جنسيًّا وثنائيّي الجنس. وُضعت مبادئ يوغياكارتا في اجتماع للجنة الحقوقيّين الدّولية، ومنظّمة الخدمة الدّولية لحقوق الإنسان ولخبراء حقوق الإنسان من مختلف أنحاء العالم في جامعة غادجاه مادا في جاوا من 6 حتى 9 نوفمبر/ تشرين الأوّل العام 2006م. شملت الوثيقة الختاميّة على «29 مبدأً جرى اعتمادها بالإجماع من خبراء جنبًا إلى جنب مع توصيات للحكومات ولمؤسّسات العلاقات الحكوميّة الإقليميّة وللمجتمع المدنيّ وللأمم المتّحدة بنفسها«

[4]https://www.youtube.com/watch?v=fDi-jFVBLA8

[5] – James SE, Herman JL, Rankin S, Keisling M, Mottet L, Anafi M. The Report of the 2015 U.S. Transgender Survey.

[6]–  في دراسة مع 100 من الذين رجعوا عن تحوّلهم الجنسيّ، 24 فقط كانوا قد أبلغوا أطبّاءهم.

[7] -Elie Vandenbussche 2022 Detransition-Related Needs and Support: A Cross-Sectional Online Survey, Journal of Homosexuality,

[8] – هو الشّخص الذي خضع لعكس التّحوّل بأيّ من الطّرق المذكورة سابقًا

[9]– Littman L. Individuals Treated for Gender Dysphoria with Medical and/or Surgical Transition Who Subsequently Detransitioned: A Survey of 100 Detransitioners. Arch Sex Behav.

[10]– المرجع نفسه.

[11]–  كان  ذلك في لقائه مع شابة لجأت إلى عكس التحول حيث حاول تحليل حالتها –  هو عالم نفسي ومؤلف كندي

[12] -Dhejne C, Lichtenstein P, Boman M, Johansson AL, Långström N, Landén M. Long-term follow-up of transsexual persons undergoing sex reassignment surgery.

[13] – جراح تجميل في ألاباما – الفيلم الوثائقي : Dysconnected

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الإلحاد الجديد: قراءة نقديّة في البنى الإبستمولوجيّة

إنّ تناول مسألة الرّؤى المناهضة للدّين بنسخته الكاملة، الشّاملة للمعتقدات والقيم والتّشريع…