–مقاربات في المنهج والواقع-
البروفيسور الشّيخ د. محمّد شقير(*)
بين فترة وأخرى ينشغل مجتمعنا والرّأي العامّ بقضيّة من قضايا الأحوال الشّخصيّة، مِنَ الزّواج، إلى الطّلاق، إلى تعدّد الزّوجات، وأخيراً قضيّة الحضانة؛ حيث يدلو كلٌ بدلوه في تلك القضايا تبعًا لمعتقداته، وقناعاته الفكريّة. فيبدو هذا التنوّع في الآراء، والاختلاف في وجهات النّظر أمرًا طبيعيًّا، في ظلّ تعدّد المدارس والتيّارات الفكريّة، والعديد من العوامل الأخرى. وهو ما يتطلّب البحث في هذا الموضوع، من خلال بُعدين: الأوّل وهو البُعد المنهجيّ؛ لأنّه يساعد على تقديم فهم منهجيّ أفضل لموضوع البحث وقضاياه، والثّاني هو البُعد العمليّ المؤسّساتيّ؛ لأنّه الأقرب إلى معالجة تلك المشكلات بشكل عمليّ وميدانيّ.
وعليه، سنعمد إلى تقسيم هذا البحث إلى قسمَين: الأوّل وهو القسم المنهجيّ الذي سنتناول فيه جملة من القضايا المنهجيّة ذات الصّلة، والثّاني وهو القسم العمليّ والمؤسّساتي.
القسم الأوّل: المنهجيّ
سنتناول في هذا القسم ثلاث قضايا منهجيّة، ترتبط الأولى بأبعاد ومُدُيات مجمل ما يُطرح من اعتراضات على جملة من قضايا الأحوال الشّخصيّة، كما يتمّ طرحها في الفقه الإسلاميّ الشّيعيّ، وترتبط الثّانية بتقديم مناقشة منهجيّة لبعض الأسئلة الّتي تطرح حول تحديد الحضانة بسنٍّ معيّنة، في حين ترتبط الثّالثة بتقديم بعض الملاحظات على منهج المقاربة الّذي يعتمده البعض في تناوله لهذا الموضوع.
القضيّة الأولى: إشكاليّة الحضانة: مُدُيات وأبعاد
وسنبحث فيها مُدُيات ما يطرحه البعض في هذا السّياق وأبعاده، كلًّا على حدة.
أ- المديات: يبدو من العديد من المعطيات أنّ أزمة البعض –في عمقها- ليست مع هذا الحكم القضائيّ أو ذاك، وليست مع هذه المحكمة أو تلك، أو مع هذا النّظام القضائي أو ذاك؛ بل إنّ جوهر أزمته هو مع الدّين، ومصادر التّشريع فيه (القرآن والسّنّة). فهو لا ينظر إلى هذه المصادر كمنابع للتّشريع، في ما يتّصل بدائرة الأحوال الشّخصيّة من الزّواج، والطّلاق، والعدّة، والنفقة، والحضانة،.. إلخ. وإنّما يتوسّل إلى التّشريع في تلك الدّائرة، بما هو معتمد لدى هذا المشرّع الوضعيّ أو ذاك… حيث يكون الأساس الذي يُعتمد عليه هو المعرفة البشريّة في تقديرها وتجربتها، والّتي قد تختلف إلى حدٍّ بعيد بين بلدٍ وآخر، أو بين مشرّعٍ وضعيّ وآخر. كما هو واضح لمن يعاين مجمل قوانين أو مشاريع قوانين الأحوال الشّخصيّة في مختلف البلدان.
إذًا، يوجد من يسعى الى إقصاء القرآن والسنّة عن دائرة التّشريع في إطار الأحوال الشّخصيّة لدى مختلف المذاهب الإسلاميّة، لتُعتمد مصادر أخرى وضعيّة، يمكن أن تكون قانونًا أجنبيًّا محدّدًا أو آخر، أو خليطًا من القوانين، بحيث يكون الأساس في اعتماد الرّأي هو ما توصّل إليه شخص القانونيّ، في قضيّة معيّنة، وليس ما جاء في كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله وأهل بيته.
هذا هو المدى الّذي يصرّح به البعض في فهمه للقضايا المعالجة ونظرته إليها، حيث سيكون من المطلوب منهجيًّا تحديد مدى الاختلاف في الفهم، حتّى يمكن تحديد ما يمكن أن يترتّب على هذا المستوى من الاختلاف وطريقة بحثه.
ب- الأبعاد: يمكن الحديث هنا في أبعادٍ ثلاثة لقضيّة الحضانة –وغيرها أيضًا-؛ البعد الفكري والدّينيّ، والبعد المرتبط بما يقوم عليه النّظام المحليّ (النّظام العامّ) ومشروعيّته التّشريعيّة (الشّعب)، والبعد الّذي يتّصل بالفكرة نفسها، ونقاشها بذاتها، بلحاظ قوّتها العلمية، ومجمل آثارها، ونتائجها في مختلف الجوانب ذات الصّلة بها.
فيما يرتبط بالبعد الأوّل، أوضحنا سالفًا أنّ بعض مديات النّقاش تصل إلى المستوى الّذي تُرفض فيه مرجعيّة القرآن والسنّة في دائرة الأحوال الشّخصيّة. أمّا فيما يرتبط بالبعد الثّاني، فيوجد من يُنظّر للتّهافت في النّظام ودستوره وقوانينه؛ بين أن يكون الأساس النّظري الّذي يقوم عليه النّظام هو المشروعيّة الشّعبيّة، وبين أن يكون في المقابل اعتمادٌ لنظامٍ قضائيّ يتّسع للمحاكم الدّينيّة، بما فيها تلك الّتي تعتمد الفقه الإسلاميّ الشّيعيّ، ومرجعيّته القرآنيّة والرّوائيّة.
في مقام الجواب لا بدّ من الإشارة إلى أمور عدّة:
1- أين التّهافت في هذا المقام، عندما تكون جميع الأنظمة والقوانين المرعيّة الإجراء، قد أقرّتها مجالس البرلمان المتعاقبة المنتخبة من الشّعب نفسه، بما في ذلك النّظام القضائيّ المحلّيّ، مع ما يشتمل عليه من قوانين؟ هذا يعني أنّه يمكن أن يكون لدينا قضاء شرعيّ (دينيّ)، يقوم على أساس من المشروعيّة الشّعبيّة، كما هو حاصل لدينا فعلًا.
2- لن يكون في الأمر تنافٍ مع روح الدستور، عندما يُعمل على مراعاة الخصوصيّات الثّقافيّة والدّينيّة والمجتمعيّة لمختلف مكوّنات الاجتماع المحلّي وطوائفه، فما الضّير في مراعاة هذا التّنوّع القائم، وخصوصًا عندما يكون المجتمع نفسه حريصًا على مراعاة الخصوصيّات الدّينيّة، الّتي تُعتبر فائقة الحساسيّة في معتقده، وثقافته، وتقاليده؟
فهل المطلوب أن تتنكّر المجتمعات لهويّتها الثّقافيّة، والمجتمعيّة، والدّينيّة؟ أم المطلوب منها اعتماد وجهات نظر تمارس انتقائيّة واضحة في تفسير الدّستور، بما ينسجم مع خلفيّتها الفكريّة، وميولها الثّقافيّة؟
لم يخطئ الدّستور عندما انبنى على مراعاة الخصوصيّات التّشريعيّة (في دائرة الأحوال الشّخصيّة) لمختلف مكوّنات الاجتماع المحليّ. وإنّ أيّ بندٍ دستوريّ يجب أن يقرأ على ضوء ما قام عليه الدّستور في مراعاته، وما انبنى عليه في لحاظه للخصوصيّات، وما يترتّب عليه. وإلّا فإننا نمارس مزاجيّة واضحة في القراءة، والفهم، والتّفسير.
فيما يرتبط بالبعد الثّالث، وعلى أهميّته، نلاحظ أنه قلّما، أو نادراً، ما يبادر من يتحمّس إلى هذا الطّرح أو ذاك إلى النّقاش فيه، والغوص في جوانبه.
فمثلًا، عندما يكون لقضيّة ما جوانب اجتماعيّة، أو تربويّة، أو نفسيّة أو … لماذا لا يتمّ التركيز على هذه الجوانب، وآثارها، والمناهج المعتمدة فيها، ومختلف القضايا ذات الصّلة بها؟
ومع قناعتي بأنّ للنّقاش والبحث العلميّ الجادّ والموضوعيّ في هذا البعد الكثير من النّتائج المفيدة، والإيجابيّات المتعدّدة، لكنّ بعض النّخبة –لسبب أو لآخر-، والعديد من وسائل الإعلام لدينا، قد لا تميل إلى هذا النّوع من النّقاش والبحث. ربّما لأنّه يفتقد إلى البعد الشّعبوي، وأساليب التّرويج، أو التّحريض، أو التّجييش، ليعتمد العلم، والعقل، والدّليل، والمنطق. وهذا ما لا يرغب به الكثيرون ممّن يميلون إلى الدّعائيّة والشّعبويّة الموغلة، ويجنحون إلى الانحياز غير العقلانيّ، ويمارسون استعارة لمفاهيم مستوردة، أو عداءً غير مفهوم للدّين، أو استغلالاً رخيصًا لأيّ حدث، لامتطاء صهوة الإعلام، والتّرويج بأساليب غير علميّة لأفكار تتنافى مع الدّستور، والأنظمة، والقوانين؛ بل مع ثقافة المجتمعات ووجدانها، فضلًا عن قيم الدّين وأحكامه.
القضيّة الثّانية: تحديد سنّ الحضانة: مناقشة منهجيّة
من جملة الأسئلة الّتي تطرح: لماذا الحضانة سنتان للصّبيّ، وللبنت سبع؟
في هذا المورد يمكن القول: إنّه يمكن أن يجاب من جهة كلاميّة، ومن جهة منهجيّة، ومن جهة غائيّة، ترتبط بهدف المقاربة ومقاصدها:
1- كلاميًّا، يمكن القول إنّ مجمل النّصوص الدّينيّة لم تبيّن علل الأحكام، لكن لمّا كنّا نعلم أنّ أحكام الله تعالى قائمة على المصالح (والمفاسد)، فلا بدّ من القول بوجود مصلحة ما في هذا الحكم، وإن خفيت علينا ولم نعلمها.
2- منهجيًّا، ينبغي القول إنّ الحكم الشّرعيّ كان متضمّنًا للتّحديد، لأنّه تمّ تطبيق المنهج الاجتهاديّ على النّصوص الدّينيّة، والأدلّة الشّرعيّة ذات الصّلة، فكانت هذه النّتيجة.
3- إنّ هذا السّؤال بـ “لماذا” في المسائل الدّينيّة ذات الطّابع العدديّ هو سؤال سيّال، لا يقف عند حدود تحديد سنّ الحضانة، وإنّما يشمل الكثير من المسائل. وعلى كلٍّ، إن طُرح السّؤال على سبيل التّشكيك، فجوابه ما مرّ. وإن طُرح على سبيل التّحليل، عسى أن يتمّ التّوصّل إلى نتائج علميّة، يقينيّة، تفيد في تطبيق المنهج الاجتهاديّ؛ فهذا شيءٌ آخر، حيث يمكن الاستفادة عندها من النّتائج في الوصول إلى نتيجة شرعيّة أو أخرى.
في المقابل، ينبغي القول إنّه عندما يطرح الآخرون تحديدًا مختلفًا في هذا الإطار، تُطرح أسئلة لا بدّ من توجيهها إليهم، وهي:
- على أيّ أساس تحدّدون سنّ الحضانة بهذا العدد، أو بغيره من السّنوات؟
- إن أجبتم على أساس العقل والمعرفة البشريّة، فلماذا هذا الاختلاف الفاحش بين القوانين الوضعيّة وقوانين الأحوال الشّخصيّة المدنيّة في مجمل الأمور، بما فيها سنّ الحضانة، مع أنّ الأساس المعرفيّ هو واحد في كلّ القوانين؟
- هل يمكن أن تأتوا بدليلٍ قطعيّ يقينيّ على أنّ هذا التّحديد للحضانة بهذا السنّ أو ذاك، هو الأقرب إلى المصلحة، والأبعد عن أيّ مفسدة؟
القضيّة الثّالثة: إشكاليّة الحضانة في الفقه الشّيعيّ: ملاحظات في منهج المقاربة
قد يكون من المجدي تقديم مقدّمة ذات مضمون فقهيّ، يصار بعدها إلى تقديم بعض الملاحظات المنهجيّة؛ حيث ينبغي القول إنّ الحضانة ليست القضيّة الوحيدة الّتي تقع عرضة لكثير من الجدل من جهة كونها موضوعًا ذا بعد فقهيّ اجتماعيّ حسّاس، وإنّما يوجد العديد من القضايا الأخرى، الّتي عادةً ما تطرح للنّقاش العامّ لدى حصول أيّ حدث يرتبط بها.
الحضانة، بما هي، فعل رعاية مباشرة للأطفال يبدأ منذ الولادة، حيث تكون الأمّ أحقّ بحضانة البنت إلى سبع سنوات، ثمّ تكون حضانتها للأب. أمّا الصّبيّ، فمن الفقهاء من قال إنّ حضانته للأمّ إلى سنتين، ومنهم من قال إنّ حضانته إلى سبع سنوات. وفي كلّ الأحوال، تنتهي مدّة الحضانة -سواء الذّكر أم الأنثى- عندما يصبح الولد رشيدًا.
وعندما تكون الحضانة لأيّ من الوالدَين، فللآخر حقّ رؤية الطّفل، والتّواصل معه؛ بل وأكثر من ذلك عمليًّا، حيث إنّ ثبوت الحضانة لأحدهما لا يعني حرمان الآخر من حقوقه، ودوره التّربوي، والعاطفيّ، والاجتماعيّ، وغيره، تجاه الولد.
بعد هذه المقدّمة، ينبغي القول: من الواضح وجود الكثير من الآراء في موضوع الحضانة، حيث إنّ لكلّ منها خلفيّته الفكريّة الّتي تملي عليه أن يتبنّى هذا الرّأي أو ذاك، لكن على المستوى الدّينيّ تظهر جملة من الأمور المنهجيّة، الّتي ينبغي الإشارة إليها، حتّى لا نخضع لأيّ من المؤثّرات غير العلميّة، والّتي تجعلنا نجانب الصّواب فيما يتّصل بالشّريعة الإسلاميّة، ومصادر التّشريع فيها، والمنهج الاجتهاديّ العامل فيها. أهمّ هذه الأمور، أو المسائل المنهجيّة، هي ما يلي:
1- إنّ الحكم الشّرعيّ في قضيّة معيّنة لا يرتبط بقاضٍ، أو محكمةٍ، وإنما يتّصل بالفقه الإسلاميّ الشّيعيّ ككلّ.
2- يعتمد الفقه في مصادر تشريعه على ما جاء في القرآن الكريم، والرّوايات الواردة عن النّبي محمد(ص)، وأهل بيته الطّاهرين.
3- يوجد منهج اجتهاديّ يتمّ إعماله في النّصوص الدّينيّة لاستنباط الأحكام الشّرعيّة، وقد يؤدّي الاختلاف في تطبيق المنهج إلى الاختلاف في النّتائج.
4- عندما يكون لموضوعٍ واحدٍ فتاوى متعدّدة أو مختلفة؛ لا يصحّ اعتماد فتوى، أو ترجيح أخرى، إلّا بناءً على مرجّحات علميّة وموضوعيّة.
5- إنّ بنية الفقه الإسلاميّ الشّيعيّ وروحه قائمة على التّجديد، لكنّ التّجديد ينبغي أن يتمّ من خلال المنهج الاجتهاديّ، وآليات التّجديد فيه.
6- يمكن لأيّ حدثٍ اجتماعيّ أن يسهم في تحفيز العقل الاجتهاديّ للتّجديد وإعادة النّظر، لكن لا يمكن لهذا العقل أن يغادر منطقه الاجتهاديّ، أو أن يجنح إلى الانزياح عن آليات الاجتهاد لديه، وقدرته على التّجديد المنهجيّ، والعلميّ، والموضوعيّ.
7- إنّ أيّ رأي فتوائيّ في كون الحضانة في سنّ محدّدة ومعيّنة؛ إنّما يرتبط بالنّصوص الدّينيّة ذات الصّلة، وتطبيق المنهج الاجتهاديّ في الاستنباط منها.
8- إنّ العمل من أجل مصلحة الأسرة، أو المرأة، أو الطّفل، إنّما يتأتّى بالدّرجة الأولى من خلال العمل على ترشيد ثقافة العلاقة الزّوجيّة، وتعزيز الأخلاق الأسريّة، وتقوية أواصر الصّلة بين جميع أفراد الأسرة، والاستفادة من القيم الدّينيّة المؤثّرة لتحقيق ذلك. هذه القيم تتّجه في مقاصدها إلى العناية بالأسرة ومصلحتها بجميع أفرادها، بعيدًا عن أيّ عصبيّات ذكوريّة أو أنثويّة مفتعلة. حيث إنّ محوريّة الأسرة تعتبر ركيزة أساسيّة في منهج المقاربة هذا.
أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه الإلفاتة المنهجيّة قد تسهم في تصنيف المطالب، أو التّمييز بين مختلف الدّعوات فيها، وإلى معرفة مستوياتها، ومؤدّيات البعض منها. وصولًا إلى عقلنتها، بمعنى جعلها أقرب إلى المقاربة العلميّة، بعيدًا عن أيّ شعبويّة في الطّرح، أو النّقد. وإن كان يبدو من العديد من الطّروحات والدّعوات في هذا الشّأن، أنّ هدف البعض هو إقصاء مرجعيّة القرآن الكريم وسنّة النّبي وأهل بيته عن أن تعتمد في قانون الأحوال الشّخصيّة وأحكامها.
القسم الثّاني: الحضانة وآليّتها المؤسّسية: وجهة نظر
من الطّبيعي في مجتمع كالمجتمع اللّبنانيّ أن تتفاوت وجهات النّظر في قضيّة كقضيّة الحضانة عامّةً، والمعمول به لدى الطّائفة الإسلاميّة الشّيعيّة في محاكمها الجعفريّة بشكلٍ خاصّ. وسوف يكون أمرًا مجديًا تحويل أيّ نقاش في هذا الشّأن، أو غيره، إلى فرصة لإعادة النّظر في أيّ من القضايا ذات الصّلة، أو تطويرها، أو الإصلاح فيها إن كان من بدّ لذلك.
تهدف المقاربة في هذا القسم إلى تقديم وجهة نظر حول بعض الطّروحات والأفكار، التّي قد تكون مجدية في المساعدة على التّعامل بشكل بنّاء، وموضوعي، ومنصف، مع بعض القضايا، الّتي ترتبط بالحضانة، وأيّ خلاف حولها، في حالة الطّلاق بين الوالدَين؛ بل وقبله أيضًا، بما ينعكس إيجابًا على مصلحة الولد، وحفظه، وتربيته، ورعايته، وسلامته، ودفع أيّ ضررٍ أو مفسدةٍ عنه، مادّيًّا أو معنويًّا.
ومن المفيد هنا – قبل الولوج في بيان وجهة النّظر تلك – الإلفات إلى أمور:
1- إنّه، وبناءً على العمل بمبدأ الاجتهاد في الفقه الإسلاميّ الشّيعيّ، تختلف الآراء الفقهيّة في سنّ الحضانة، بين من يذهب إلى أنّها للأمّ لمدّة سنتين لكلٍّ من الصّبيّ والبنت، وبعدها تكون للأب؛ ورأي آخر أنّها للأمّ لمدّة سنتين للصّبيّ، وسبع سنوات للبنت، وبعدها تكون للأب؛ ورأي ثالث أنّها للأمّ لمدّة سبع سنوات لكلٍّ من الصّبيّ والبنت، وبعدها تكون للأب؛ وتوجد آراء أخرى مختلفة في الموضوع.
2- إنّ ما هو معمول به لدى المحاكم الجعفريّة هو الالتزام بالرّأي الفقهيّ للمرجعيّة العليا في النّجف الأشرف، والّتي تتمثّل في عصرنا بسماحة المرجع السّيّد عليّ السّيستانيّ (حفظه الله)، والّذي يذهب إلى أنّ الأولى – أي الأفضل باللّحاظ الشّرعيّ- للولد (ذكرًا أو أنثى) بقاؤه عند الأمّ إلى سبع سنوات، وبعدها تكون للأب. هذا وقد ذكر لي بعض الأصدقاء من القضاة أنّ ما تحكم به المحكمة الجعفريّة، فيما يرتبط بمدّة الحضانة للأمّ، هو سنتان للصّبيّ، وسبع سنوات للبنت، وهو الرّأي المشهور لدى مجمل فقهاء المسلمين الشّيعة.
3- تنتهي مرحلة الحضانة ببلوغ الولد رشيدًا، حيث يمكن أن يُخيّر عندما يبلغ تسع سنوات هلاليّة إذا كان بنتًا، وخمس عشرة سنة هلاليّة إذا كان صبيًّا، فيما لو تبيّن رشده، فيختار عندها مع مَن يكون من والدَيه، أو مع غيرهما.
وبناءً على ما ذُكر، تكون لدينا مراحلٌ ثلاث: الأولى، مرحلة حضانة الأمّ؛ والثّانية، مرحلة حضانة الأب؛ والثّالثة الّتي يختار فيها الولد مع من يكون من والدَيه. ويبقى لكلٍّ من الوالدّين حقّ رؤية الولد، عندما تكون الحضانة للآخر.
وعليه، لو فرضنا أنّ طلاقًا وقع بين زوجَين، ولديهما بنت، وحاولنا معاينة المدّة الّتي تكون فيها هذه البنت مع أمّها في مرحلتيّ الحضانة، فسوف تكون مع أمّها لمدّة سبع سنوات هلاليّة، ثمّ مع أبيها لمدّة سنتين هلاليّتين، وتبقى الأمّ محتفظة بحقّ الرّؤية لابنتها في هاتين السّنتين. وهذا يعني أنّ ما يقرب من ثمانين بالمائة من مدّة حضانة البنت هي للأمّ – تختلف هذه النّسبة بشكلٍ كبير في حالة الصّبيّ -، وأنّ البنت إذا حصل الاطمئنان إلى رشدها في سنّ التّاسعة، تخيّر بين العيش مع أمّها أو مع أبيها، حيث قد تختار العيش مع أمّها في هذه الحال.
أمّا فيما يرتبط بوجهة النّظر الّتي أودّ الإلفات إليها، فيما يتّصل بمدّة حضانة كلّ من الأمّ والأب لولدهما؛ فيمكن بيانها في النّقاط التّالية:
الأولى: قد يكون أمرًا مجديًا البحث في مدّة الحضانة للأمّ أو للأب، من حيث تأثير هذه المدّة – زيادة أو نقصانًا- على الولد، ومصلحته، وسلامته النّفسيّة والتّربويّة. لكن، أعتقد أنّ أمرًا جوهريًّا لا يقلّ أهمّيّة عن هذا الموضوع -إن لم يكن يفوقه أهمّيّة- وهو أنّ العلاقة الواعية والبنّاءة والإيجابيّة بين الوالدَين، القائمة على أساس أخلاقيّ وتربويّ وعقلانيّ، قد يكون لها من الأثر الإيجابيّ على الولد، وسلامته النّفسيّة والتّربوية، أكثر من أيّ زيادة على مدّة الحضانة للأمّ وللأب؛ حيث إنّ العلاقة الجيّدة والرّاشدة بين الوالدَين -بعد الطّلاق- توفّر ظروفًا ملائمة لإدارة جميع شؤون الولد، بطريقة تنعكس بشكل أفضل على مصلحته وسلامته وجميع أموره، في حين أنّ جعل الولد ميدانًا للصّراع والتّنازع بين الوالدَين، سيكون له آثارٌ جدًّا سلبيّة ومدمّرة على الولد ومصلحته وسلامته، حتّى لو افترضنا أنّ أحد الطّرفين قد تمكّن من زيادة مدّة حضانته فترة أو أخرى.
وهذا يعني أنّه إن كان الأساس في العلاقة بين الوالدَين مصلحة الولد وسلامته، فيجب أن تكون الأولويّة لنسج علاقة بنّاءة وواعية بينهما، وإيجاد ظروف ملائمة تراعي مصلحة الولد وسلامته، وتجنّب التّنازع عليه وتحويله إلى ميدان صراع، وأداة للإضرار بالآخر. وهو ما سوف يقود إلى إدارة الحضانة بطريقة يكون الأساس فيها، والهدف منها، تحقيق مصلحة الولد المادّيّة والمعنويّة بأفضل مستوى ممكن، وحصول الولد على إشباع حاجاته النّفسيّة، والتّربويّة، والعاطفيّة، من كلّ من والدَيه، بأعلى قدر ممكن؛ حيث تصبح زيادة مدّة الحضانة، قليلًا أو كثيرًا لأحدهما، أو الاشتراك فيها، أو زيادة مدّة الرّؤية للآخر، إلى مستوى تتحوّل فيه إلى نوع حضانة، أو بمثابة معطى يتمّ التوافق والتّفاهم عليه بينهما، طالما أنّ الهدف مصلحة الطّفل وسلامته، وليس اتّخاذه وسيلة للتّشفّي من الآخر، وإيذائه.
وهذا –أي التّفاهم والتّوافق القائمَين على مصلحة الولد وحسن رعايته- هو النّهج الأولى بالاعتماد، والأفضل من حيث تحقيق هدفه وغايته.
الثّانية: توجد بعض العناوين في الفقه الشّيعيّ عامّة، وفي فتاوى المرجع الأعلى سماحة السّيّد السّيستاني بشكلٍ خاصّ؛ يمكن الاستناد إليها لبناء آليّات مساعدة، إلى حدٍّ بعيد، على الحفاظ على مصلحة الولد المادّيّة والمعنويّة، وحمايته من أيّ ضرر نفسيّ أو تربويّ أو مادّيّ أو… بمعزلٍ عن مرحلة الحضانة، ومدّة الحضانة للأمّ أو للأب.
وسوف نعرض فيما يلي بعضًا من فتاوى سماحته الموجودة على موقعه الإلكتروني؛ فعندما يُسأل عن بقاء الولد مع أمّه لأكثر من سنتين يجيب: “… إذا كان بقاؤه عند الأب منافيًا لمصلحته اللّازم مراعاتها شرعًا، ألزمه الحاكم الشرعي بإيكال حضانته الى الأمّ، إذا كانت تصلح لذلك”([1]).
ويقول في نصٍّ آخر: “.. لو ظهر عدم قيام الأب بما تقتضيه حضانته من مصلحة حفظه، ورعايته، وتربيته ،ونحو ذلك، جاز رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي حسبةً، ليلزمه بالعمل وفق وظيفته، فإن لم يمكن، أخذَ الولد منه، وأوكلَ حضانته إلى أمّه، إذا كانت صالحة لذلك”([2]).
وعندما يُسأل عن قيام الأب بفصل الولد عن أمّه قبل أن يبلغ سبع سنين، يقول: “..لا يجوز له ذلك، إذا كان يضرّ بحاله [أي بحال الولد]”([3]).
ويقول أيضاً: “إذا كان الأب يجد في فصله عن أمّه مفسدة عليه، ولو من جهة عدم توفّر من يقوم بحضانته إلى الوجه اللّازم شرعًا، فلا بدّ أن يعهد بحضانته إليها، ولا فرق في ذلك بين زواج الأمّ بزوجٍ آخر وعدمه”([4]).
كما يقول: “…لا يجوز للأب الإضرار بالأمّ، من حيث منعها من رؤية أولادها. وإذا كان الأولاد يتضرّرون من عدم اللّقاء بأمّهم، من حيث ارتباطهم العاطفيّ الشّديد بها، فلا بدّ للأب أن يوفّر فرصة اللّقاء بها”([5]).
وعندما يُسأل عن الولد الذي يبلغ رشيدًا، ويحقّ له بالتّالي أن يختار أيًّا من الوالدَين أو من غيرهما؛ فيقول: “..إذا كان انفصاله عنهما [الوالدين] يوجب أذيّتهما النّاشئة من شفقتهما عليه، لم يجز له مخالفتهما في ذلك، وإذا اختلفا فالأمّ مقدّمة على الأب”([6]).
قد نكون توسّعنا في عرض هذه الفتاوى حتّى نتمكّن من أخذ تصوّر أوسع عن موضوعنا ومسائله، لكن ما يعنينا بشكل أساس ممّا ذُكر، ممّا له أثر على وجود الولد مع أمّه أو أبيه؛ هو العناوين التّالية:
- ما ينافي مصلحة الولد اللّازم مراعاتها شرعًا، وعدم القيام بما تقتضيه حضانته من مصلحة حفظه ورعايته وتربيته.
- الضّرر بالولد.
- المفسدة على الولد، ولو من جهة عدم توفّر من يقوم بحضانته على الوجه اللّازم شرعًا.
وهي تدلّ بشكل واضح على أنّ الأساس في الحضانة وإدارتها مصلحة الولد، وحسن رعايته، وتربيته، وحفظه، وحمايته من أيّ مفسدة، أو ضرر مادّيّ، أو جسديّ، أو نفسيّ، أو تربويّ، أو اجتماعيّ…
والسّؤال: كيف يمكن لنا معرفة مصلحة الولد، وما يمكن أن يتعرّض له من مفسدة معيّنة، أو ما يمكن أن يصيبه من الضّرر؟ وما هي الآليّة الصحيحة الّتي يجب اعتمادها لذلك؟
الثّالثة: إنّ ما ورد في كلّ من النّقطتين الأولى والثّانية يحتاج إلى نوعٍ من المأسسة، وإيجاد آليّات مؤسّسية مناسبة، تقوم على أمرين:
الأوّل– العمل على دفع العلاقة بين الوالدَين إلى التّعاون البنّاء والإيجابيّ، والسّعي إلى حلّ أسباب التّنازع (حول الولد) من خلال الطّرق والأساليب المجدية والبنّاءة، ومحاولة معالجة أيّ قضيّة ذات صلة من خلال الحوار الإيجابيّ والتّفاهم، بعيدًا عن أيّ انزلاق إلى طرقٍ غير مجدية، تنعكس بشكل سلبيّ على الولد، ومصلحته، ومختلف شؤونه.
الثّاني– معاينة تحقّق العناوين المذكورة في النّقطة الثاّنية (مصلحة، مفسدة، ضرر،..) في الواقع المحيط بالطّفل، وذلك بهدف العمل على تقييم علميّ، موضوعيّ، تخصّصيّ، حول واقع الطّفل، وجميع الظّروف المحيطة به لدى إقامته مع الأب أو الأمّ، وحضانته من أيٍّ منهما؛ وذلك لمعرفة مدى تلاؤم ظروف وأحوال الإقامة والحضانة، مع أيٍّ منهما، مع مصلحة الولد، وحفظه، ورعايته، وحسن تربيته، وسلامته من أيّ ضرر أو مفسدة.. وملاحقة النّقص والخلل متى ما وُجد.
وهو ما يحتاج إلى فريقٍ من أهل الخبرة والاختصاص في المجالات النّفسيّة، والتّربويّة، والاجتماعيّة، وإلى دراسات عمليّة لواقع الطّفل وظروف معيشته، بهدف الوصول إلى تقييم عامٍّ وشامل يحدّد مدى تحقّق أهداف الإقامة مع أيٍّ من الوالدَين؛ وتعيين مع مَن منهما؟ وكذا بالنّسبة إلى تحديد المصلحة، وعدم المفسدة، ودفع الضّرر، فهل هذه العناوين تتحقّق من خلال إقامته مع والده وظروفه، أم مع والدته وظروفها؟ وهو -أي التّقييم العلميّ والموضوعيّ – ما سوف تكون حصيلته الإسهام في تنقيح مصداق تلك العناوين، وتاليًا التّوصية باستمرار بقاء الولد مع أبيه أو مع أمّه، أو ربّما يتمّ التّوصية بخيارات أخرى؛ كلُّ ذلك تبعًا لنتيجة دراساتٍ لواقع الطّفل، ومجمل ظروفه.
ومن الواضح أنّ هذا الأمر ليس من اختصاص المحكمة أو القضاة، وإنّما هو بمثابة عملٍ يقوم به أهل الاختصاص، لتوضع نتيجته بين يديّ القاضي ليحكم على أساسه. أي إنّ التّقييم يسهم في تنقيح موضوع حكم القاضي، ويساعد على ترشيده، على أن يكون قائمًا على معطيات علميّة، وموضوعيّة، وصحيحة.
وهو ما يوصلنا إلى ضرورة أو أهميّة وجود مؤسّستين اثنتين – أو واحدة تُعنى بالأمرين معًا – إلى جانب كلّ محكمة، تُعنيان بتلك المساحة من الأحوال الشّخصيّة.
آليّة مقترحة لعمل المحاكم
الأولى، تعنى بالوساطة الأسريّة بين الزّوجَين أو الوالدَين، بمعنى أنّها تعمل على الحيلولة دون حصول الطّلاق بينهما، وإصلاح الأمور بينهما، لتجنيبهما والطّفل جميع التّداعيات المحتملة. وإذا وقع الطّلاق، فتعمل على تشييد أنماط علاقة بنّاءة وإيجابية تقوم على التّفاهم والتّوافق القائمَين على مصلحة الطّفل وسلامته، بعيدًا عن أيّ إضرار، أو تشنّج، أو تنازع قضائيّ. وهو ما سوف يؤسّس لإدارة سليمة، وناعمة، وهادفة، لفترة الحضانة، تراعي مجمل حاجات الولد النّفسيّة، والتّربويّة، والعاطفيّة، والجسديّة، وأولويّة هذه الحاجات وإشباعها؛ حيث يكون هذا العمل بعيدًا عن الآليّات القضائيّة المعتمدة في المحاكم.
الثّانية، وتعنى بإجراء الدّراسات والتّقييم لواقع الطّفل ومجمل ظروفه؛ من حيث تحقّق عناوين المصلحة أو المفسدة أو الضرر على واقعه وظروفه المختلفة، لدى إقامته عند أحد والديه، أو غيرهما، ممّا يفضي إلى تنقيح موضوع حكم القاضي في هذا الشّأن، وتقديم توصيات إلى المحكمة بخصوصه، بهدف ترشيد الحكم، وجعله قائمًا على تقييم عمليّ، موضوعيّ، تخصّصي، يتمحور بشكل أساس حول مصلحة الطّفل، ورعايته، وسلامته تربويًّا، ونفسيًّا، واجتماعيًّا.
وقد يمكن الادّعاء أنّ العمل بهذه الآلية المؤسّساتيّة بشكل شاملٍ، ونشطٍ، وفعّالٍ، وعلميّ، وموضوعيّ؛ سوف يسهم إلى حدٍّ بعيد في التّعامل بطريقةٍ صحيحة، وصحّيّة، وهادفة مع مجمل الحالات الّتي ترتبط بوضع الولد من حيث حضانته وإقامته مع والديَه، أو مع أحدهما، أو مع غيرهما، بما يُمكّن -بشكل أفضل- من رعاية جميع مصالحه المادّيّة والمعنويّة، وحفظه وحمايته، ودفع أيّ ضررٍ عنه، بمعزلٍ عن أيّ زيادة على سنّ الحضانة لأيّ من الوالدَين.
وبناءً على ما تقدّم، ينبغي القول إنّ أيّ مساعٍ تهدف إلى معالجة بعض المشكلات القائمة، أو الإصلاح، أو التّطوير في أيّ من المؤسّسات ذات الصّلة، أو غيرها؛ يجب أن تعتمد على رؤية واعية، ومقاربات علميّة وموضوعيّة، وأساليب بنّاءة، واجتناب الطّرق الّتي قد تعطي الأولويّة لصناعة الرّأي العامّ، والإثارة الإعلاميّة على إنضاج الحلول المنهجيّة والمستديمة. وهنا لا بدّ من تسجيل هذه الملاحظات:
1- ليس صحيحًا مقاربة هذا الموضوع من خلفيّة (جندريّة) تقوم على الانتصار للمرأة أو للرّجل؛ أو استخدام لغة اتّهاميّة تُنزل كلّ ما خالف قناعة البعض في خانة الظّلم؛ أو استسهال الإساءة إلى بعض فئات المجتمع الشّيعيّ (علماء دين، قضاة…)، والإضرار بسمعتهم؛ لأنَّ مَن يخرج لرفع الظّلم لا يصحّ منه أن يَظلم، ومَن يعمل على الإصلاح والتّغيير لن يكون مقبولًا أن يصدر عنه الإضرار أو الأذى لأحد، أو أن يسيء إلى فئةٍ من النّاس في كرامتها وسمعتها، وسوى ذلك.
2- إنّ منهجية التّعامل مع جملة من القضايا في واقعنا اللّبنانيّ وتجاربه لا تبعث على التّفاؤل، حيث يُلاحظ بشكل واضح الميل إلى الصّناعة الإعلاميّة، والتّأثير في الرأي العامّ، وتصدّر الشّاشات، أكثر من العمل الهادف والممنهج للتوصّل إلى حلول بنيويّة ومؤسّسيّة ومستديمة، أو التّأسيس لمسارات بنّاءة تساعد على الوصول إلى معالجات جادّة للمشاكل القائمة.
إنّ ما ينبغي اعتماده في هذا الإطار، هو أنّه عند مواجهة أيّ قضيّة ذات صلة، لا بدّ في سياق تقييم المشكلة، واجتراح الحلول البنّاءة والمجدية، مِنَ التّوجّه أوّلًا إلى مراكز البحوث والدّراسات، وإلى مجمل أهل النّظر والاختصاص، وإلى مطابخ الفكر والوعي، بهدف التّوصّل إلى معرفة علميّة بالمشكلة، وإلى تصوّر موضوعيّ للحلول، وإلى خلاصات ونتائج وتوصيات في هذا الشّأن؛ وبعدها يُنظر في كيفيّة العمل من خلال تلك الخلاصات والتّوصيات الّتي يتمّ التوصّل إليها إصلاحًا أو تطويرًا، وفي الطرق والأساليب الّتي تُسعف في تحقيق أهدافها.
3- سيكون أمرًا مجديًا من المؤسّسات الشّيعيّة المعنيّة بهذا الشأن، أن تتعامل مع أيّ معطى من هذا القبيل، على أنّه بمثابة فرصة لدراسة هذا المعطى وجميع ما يتّصل به، فإن كان لا بدّ من إصلاح أمرٍ ما يُعمل على إصلاحه، وإن كان لا بدّ من تطوير واقعٍ ما يُعمل على تطويره؛ وإن لم يكن ثمّة ما يحتاج إلى التّغيير أو الإصلاح أو التّطوير، فمن الأهمّيّة بمكانٍ عندها أن يُعمل على بيان ما ينبغي بيانه بشكلٍ كافٍ ووافٍ؛ لإزالة أيّ التباس إن وجد، ولرفع أيّ إبهام إن حصل، ولتوضيح ما يجب توضيحه، بما يسهم في الحفاظ على مكانة تلك المؤسّسات وما ترمز إليه؛ لأنّ شأنها أوسع من أن يختصّ بها، كما إنّ المسؤوليّات الملقاة على عاتقها، هي بحيث تتطلّب أكثر من مقاربة مؤسّسيّة للتعامل مع تلك القضايا ذات الصّلة.
(*) – أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة.
– عميد سابق لكليّة الدراسات الإسلاميّة في الجامعة الإسلاميّة في لبنان.
([1]) https://www.sistani.org/arabic/qa/0450/
([2]) https://www.sistani.org/arabic/qa/0450/
([3]) https://www.sistani.org/arabic/qa/0450/
([4]) https://www.sistani.org/arabic/qa/0450/
إشكاليّات الحضانة في السّياق الفقهيّ والقانونيّ
تمّت أشكلة مسألة الحضانة في الخطاب العام نتيجة لعوامل عدة، بعضها موضوعي وبعضها دعائي موجّه…