الشّذوذ الجنسيّ أم المثليّة
مصطلحاتٌ متقاربةٌ أم إحلالٌ للقيم ونهجٌ للتّطبيع
ليلى شمس الدّين[1]
[1] – باحثةٌ في الإنثروبولوجيا وعلم الاجتماع والإعلام، أستاذةٌ محاضرةٌ في معهد العلوم الاجتماعيّة في الجامعة اللّبنانيّة، وفي كلّيّة الإعلام في الجامعة اللّبنانيّة chamseddinelayla@admin
عندما وصلتني الدّعوة منذ سنواتٍ أصابتني الدّهشة، وأنا الباحثة في قضايا “الجندر” منذ مدّةٍ ليست قليلةً إطلاقًا، وكنت حتى ذلك الوقت أعتقد أنّ قضايا المساواة بين الجنسين -أو التي أرغب في تسميتها العدالة الإنسانية- شكّلت وتشكّل ميادينًا أساسيّةً من ميادين طروحات واهتمامات المؤسّسات الدّوليّة من مدّةٍ زمنيّةٍ طويلةٍ. ومع أنّ الاتّفاقات تهدف علنًا إلى إلغاء أشكال التّمييز جميعها بين الجنسين؛ إلاّ أنّ الوصول إلى بلوغ مبدأ المساواة مايزال بعيدًا عن التّحقيق.
لذلك؛ تتنامى في منطقتنا العربيّة الأدوار التي تقوم بها المنظّمات الدّوليّة العاملة يومًا بعد يومٍ في مجالٍ يُطلق عليه عنوان “التّنمية المجتمعيّة”. هذه المنظّمات وإن كانت تنأى بنفسها عن أيّ نشاطٍ سياسيٍّ معلنٍ؛ فهي تمثّل عاملًا من عوامل التّأثير الثّقافيّ القويّ والمبرمج. ويتبدّى هذا التّأثير عبر مجموعةٍ من المفاهيم “التّنمويّة”، من أهمّها؛ مفهوم “الجندر”.
قد دُفعت إلى البحث في أبعاد الصّورة ومدلولاتها؛ لأنّ “الصّورة تساوي ألف كلمةٍ”، ويمكن أن تساعد في إضافة جاذبيّةٍ عاطفيّةٍ إلى الخطاب. كما يظهر في الدّعوة؛ فإنّ النّقاش يدور حول “الجنس والجنسانيّة والجندر”. من هنا تبدأ الحكاية، ومن هنا يُمكن إطلاق العنان لأسئلةٍ أكثر من كثيرةٍ؛ تدور رحاها حول ما وراء علامات الجنس؟
نجد في هذا السّياق تمركز المحاولات الحثيثة كلّها حول مؤشّرات الجندر؛ لتُثير السّؤال الآتي: متى تكون مؤشّرات النّوع الاجتماعيّ مسوّغةً إطلاقًا في ظلّ ما يتداعى له الخبراء والعلماء والمدافعون عن قضايا حقوق الإنسان وحرّية الرّأي والتّعبير، والمناطون بهذا الواقع كلّهم على هذه المعمورة؟
الجدير ذكره أنّه؛ في العام 2016، طوّرت مجموعةٌ من الخبراء الدّوليّين “مبادئ يوجياكارتا + 10”[1]؛ فأصبح لأيّ فردٍ الحقّ في الحصول على وثائق الهويّة، وشهادات الميلاد؛ بغضّ النّظر عن الميول الجنسيّة أو الهويّة الجنسيّة أو التّعبير الجنسيّ أو الخصائص الجنسيّة. إذ أصبح لأيّ فردٍ الحقّ في تغيير المعلومات الجنسانيّة في هذه الوثائق أثناء تضمين المعلومات الجنسانيّة فيها. لذلك؛ كان يجب على الدّول إنهاء تسجيل جنس الشّخص في وثائق الهويّة؛ مثل: شهادات الميلاد، إثبات الهويّة، البطاقات، جوازات السّفر، رخص القيادة. وذلك كان يمثّل جزءًا من شخصيّتهم القانونيّة[2].
ما الجنس الثّالث وأين نشأ وكيف؟! أصل الحكاية
لطالما عرفنا أنّ هناك نوعين من النّاس: ذكرٌ وأنثى، يتحدّد جنسهم بناءً على أعضائهم التّناسليّة. لكن منذ النّصف الثّاني من القرن الماضي؛ بدأنا نشهد ناشطين رائدين، وصانعي سياساتٍ يكافحون من أجل الاعتراف القانونيّ واحترام حقوقهم كاملةً[3]. وعند السّؤال عن خصائص الجنس الثّالث؛ تأتي الإجابة بعدم وجود طريقةٍ لمعرفة إذا كان الشّخصُ منتميًا إلى الجنس الثّالث عن طريق المظهر الجسديّ فقط؛ فلا توجد واقعًا قواعد أو إرشادات لتحديد الهويّة الجنسيّة أو التّوجّه الجنسيّ.
أمّا التّفسير الذي قد يدرجه الدّعاة والمروّجون والمدافعون عن حقوق الشاذّين جنسيًا تحت مظلّة الجنس الثّالث؛ فيُشير إلى عدم “توافق جنسك مع الجنس الذي حُدّد لك عند الولادة”، ويشمل أيضًا “الأشخاص الذين لا يشعرون بأدوار الذّكور أو الإناث التي تمليها ثقافتهم من جانب تفضيل الدّور الاجتماعيّ أو الجنسيّ أو الجنس”. كما يدّعي أصحاب هذا التوجّه أحقيّة توسيع مفاهيم التّعبير عن الهويّة الجنسيّة وفاق الميول والرّغبات الذّاتيّة[4].
نستنتج أنّ المسألة تتعلّق بميولٍ وفهمٍ خاصٍّ وتفسيرٍ يرتكز على الرّغبة بما يتناسب مع كيفيّة فهم الأشخاص لنوعهم الجنسيّ؛ بعيدًا عن الخصائص البيولوجيّة الواضحة والمثبتة لايٍّ منهم في هذا العالم. لذلك؛ فالشّذوذ الجنسيّ هو موضوعٌ أثار الجدل والنّقاش لسنواتٍ عديدةٍ وما يزال. ويعتقد بعض النّاس أنّ كونك “مثليًّا” هو اختيار، وتقع المشكلة بسبب تعارض هذا الخيار مع القيم التّقليديّة، كما يجادل آخرون أنّه جزءٌ طبيعيٌّ من النّشاط الجنسيّ البشريّ.
نجد أنّنا إذًا أمام تفسيرين ومنطلقين في تعريف هذه الحال وتشخيصها: الأوّل؛ عندما يكون الانجذاب نحو الجنس نفسه نتيجة عوامل اجتماعيّةٍ وتأثيراتٍ نفسيّةٍ وتجارب مُبكرةٍ يتعرّض لها الأشخاص، أمّا الثّاني؛ فيردّه أصحاب هذا التوجّه إلى العوامل البيولوجيّة والوراثيّة. لذا ترتكز الإشكاليّة في الطّرح والتّقبّل أو الرّفض لموضوع الشّذوذ الجنسيّ على منطلق تفسير هذه الحال ما بين الشّذوذ والواقع الطّبيعيّ والبيولوجيّ بحسب منطلق ومنطق كلّ تفسيرٍ. واللّافت فيما يحصل اليوم؛ إيجاد تيّارٍ عالميٍّ وتعزيزه ليتغلغل في مفاصل حياتنا كلّها ومشاريعنا وأطروحاتنا ضمن مجتمعاتنا المتعدّدة. ولعلّ ما يثير التّعجّب أنّ هذا الاستبعاد أمرٌ مستغربٌ وفاق المقاييس العلميّة، كما يدفعنا إلى إثارة تساؤلاتٍ حوله.
الشّذوذ الجنسيّ علامةٌ تجاريّةٌ رابحةٌ
يقدّر تقريرٌ صادرٌ عن الاقتصاد الأمريكيّ؛ أنّه من الممكن إضافة تسعة مليار دولار ٍسنويًّا إذا حسّنت الشّركات قدرتها على الاحتفاظ بــ “المثليّين” عبر تنفيذ سياساتٍ شاملةٍ[5]. وأضاف التّقرير؛ خسارة البلدان التي لا توجد فيها مثل هذه السّياسات؛ إذ يقدّر البنك الدّوليّ خسارة “الهند” 32 مليار دولار سنويًّا من النّاتج الاقتصاديّ تحديدًا بسبب التّمييز واسع النّطاق ضدّ المثليّين. من ناحيةٍ أخرى؛ فالشّركات المدافعة عن حقوق المثليّين تجني الفوائد علنًا؛ وذلك لأنّ العملاء الشّاذين جنسيًّا من بين أكثر العملاء ولاءً؛ فهم يكافئون الشّركات المساندة لهم. وإن كنت تفكّر أنّ في “الولايات المتّحدة” وحدها تُحسب القدرة الشّرائيّة لمجتمع الشّاذين جنسيًّا في منطقة معيّنة بـ 800 مليار دولارٍ سنويًّا؛ فشركات الملابس والرّياضة تتبنّى هذا الاتجاه أيضًا. فقد أصدرت “أديداس” في “شهر الفخر”[6] تحوّلًا لعلم قوس قزح (رمز مثليّي الجنس) لمدرّبها الشّهير “ستان سميث” الذي خصّص جزءًا من المبيعات لجمعيّة خيريّة مقرّها “أوريغون”؛ تدعم المراهقين من غير مأوى من الشّاذين جنسيًّا.
إذًا؛ فالأرقام واضحةٌ وهناك حجّةٌ اقتصاديّةٌ وقويّةٌ لإدراج هذه الفئات على قائمة المُدافع عنهم. لذلك تميل الشّركات المتمتّعة بسياساتٍ قويّةٍ للمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسانيّة إلى الابتكار أكثر من غيرها. كما تسعى إلى الحصول على موظّفين مخلصين لهذا النّهج؛ ما يجنّبهم الكثير من الدّعاوى القضائيّة المتعلّقة بالتّمييز، إضافةً إلى نظرة عملائهم الإيجابيّة تجاههم؛ هذا ما يحقّق الفوز على المستوى الاقتصاديّ. في الإطار نفسه؛ يُنظر إلى دور الحلفاء القويّ بشكلٍ خاصٍّ؛ لأنّه ينقل المحادثة من “خطاب الأقليّة” إلى الحديث عن “المواهب والأداء والابتكار”.
لقد أصبحت مكافحة “رهاب المثليّة” الآن أكثر من أيّ وقتٍ مضى “ضرورةً تنمويّةً” بحسب تعبير “الأمم المتّحدة”؛ عبر صياغة ثقافةٍ شموليّةٍ داخليّةٍ تتجاوز السّياسات الوطنيّة ومع ذلك تدركها. فالشّركات لديها فرصةً هائلةً للإفادة من تأثيرها العالميّ؛ لتشكيل التّقدّم الاجتماعيّ والاقتصاديّ. وبما أنّ رحلة الدّمج لا تحدث بين عشيّةٍ وضحاها؛ تسعى الشّركات للحصول على التّوجيه. وبما أنّ إهدار الإمكانات البشريّة والاقتصاديّة هائلٌ في هذا الإطار أيضًا؛ وُجد المستفيدون المعنيّون بزيادة أرباحهم من المكاسب الماديّة أمام واقع دفعهم إلى طرح تساؤلاتهم حول الدّور الذي يجب قيام الشّركات به في تعزيز حقوق المثليّين؛ خاصّةً عند العمل في بلدانٍ تكون فيها العلاقات غير قانونيّة.
الجواب هو التّفكير والتّصرّف على المستوى العالميّ؛ عن طريق التّأكيد على الفوائد التّجاريّة للتّنوّع محليًّا، واعتماد سياسات عالميّة تجعل مكان العمل آمنًا وعادلًا ومقبولًا لجميع الشّرائح في المجتمعات، وهنا ربّما يكمن جوهر المسألة.
التدرّج في التّفكير لبلوغ الإقناع وصولًا إلى التّغيير في المعتقدات
لتحقيق الغايات المنشودة والمرجوّة حيال التّخفيف من مواجهة تقبّل الشّاذين جنسيًّا ورفضهم؛ لا بدّ للمعنيّين فرض هذه الجماعات على محيطها من إقناع البيئات الرّافضة بتقبّل وجودهم في غير موقعٍ ودورٍ[7]. لذلك؛ فهم بحاجةٍ إلى استخدام وسائل الإقناع المتعدّدة لبلوغ أهدافهم الرّامية إلى تشجيع قبول إدماج هذه الفئات ضمن المجتمعات على تنوّع عقائدها وقيمها. فالإقناع هو “عمليّة خلقٍ أو تعزيزٍ أو تغيير معتقدات النّاس وأفعالهم”. ومع علمنا بصعوبة تغيير معتقدات النّاس أو قناعاتهم، إذ يميل النّاس إلى التمسّك بمعتقداتهم بقوّةٍ وغالبًا ما يقاومون التّغيير؛ فهناك بعض الاستراتيجيّات التي قد تكون فعّالة في المساعدة على تغيير هذه المعتقدات والقناعات؛ عن طريق تقديم الأدلّة واستخدام النّداءات العاطفيّة وتقديم الدّعم الاجتماعيّ للاعتقاد الجديد.
كما يمكن لوسائل الإعلام تأدية دورٍ في تغيير قناعات النّاس؛ لكنّها ليست العامل الوحيد المعنيّ. إذ يتأتّى تأثيرها عبر تقديم المعلومات ووجهات النّظر التي تتحدّى أو تتعارض مع معتقداتهم الحاليّة، على سبيل المثال؛ قد يكون المقال الإخباريّ أو البرنامج التّلفزيونيّ الذي يقدّم أدلّة أو حججًا تدعم وجهة نظرٍ مختلفةٍ قادرًا على إقناع بعض الأشخاص بتغيير معتقداتهم. ومع ذلك، فإنّ وسائل الإعلام ليست سوى واحدةٍ من العوامل العديدة التي يمكنها الـتأثير على قناعات النّاس. كذلك؛ تؤدّي عوامل أخرى دورًا في تشكيل معتقدات النّاس وقناعاتهم؛ مثل: التّجارب الشّخصيّة، التّفاعلات الاجتماعيّة، العوامل النّفسيّة والعاطفيّة الفرديّة. نتيجةً لذلك؛ من الصّعب القول على وجه اليقين ما إذا كان “ضخّ” وسائل الإعلام وحدها يمكنه التسبّب في تغيير قناعاتهم.
نذكر في هذا الإطار؛ إمكانيّة مساهمة الحملات الإعلانيّة المبرمجة في تغيير قناعات الأفراد، إلاّ أنّ مدى فعاليّتها يعتمد على عددٍ من العوامل. وتتضمّن بعض العوامل الرّئيسية التي يمكنها التّأثير على فعاليّة الحملات الإعلانيّة المبرمجة في تغيير قناعات النّاس؛ كالآتي:
- محتوى الحملة: يمكن لمحتوى الحملة، بما في ذلك الرّسائل والحجج المقدّمة، القيام بدورٍ مهمٍّ في التّأثير على قناعات النّاس. على سبيل المثال؛ قد تكون الحملة المقدّمة أدلّةً دامغةً وحججًا منطقيّةً أكثر فاعليّةً في تغيير معتقدات النّاس من تلك المعتمدة على النّداءات العاطفيّة فقط.
- الجمهور المستهدف: يمكن للجمهور المستهدف من الحملة التّاثير أيضًا على فعاليّتها في تغيير قناعات النّاس. على سبيل المثال؛ قد تكون الحملة المستهدفة للأشخاص المنفتحين على الأفكار ووجهات النّظر الجديدة أكثر فاعليّة في تغيير معتقداتهم من الحملة المستهدفة للأشخاص الملتزمين بشدّةٍ معتقداتهم الحاليّة.
- وسيلة الحملة: يمكن لوسيلة الحملة مثل؛ التّلفزيون أو الرّاديو أو المطبوعات أو الإنترنت؛ القيام بدورٍ فعّالٍ في تغيير قناعات النّاس. وقد تكون الوسائط المختلفة أكثر فاعليّة في الوصول إلى الجماهير المختلفة والتّأثير عليها؛ لذلك من المهمّ اختيار الوسيط المناسب للحملة.
نشير إلى إمكان إسهام الحملات الإعلانيّة المبرمجة في تغيير قناعات الأفراد؛ إذ يعتمد مدى فعاليّتها على عوامل عديدةٍ، بما في ذلك محتوى الحملة والجمهور المستهدف ووسيط الحملة.
ما بين الإقناع والتّطبيع مسارٌ متعدّد المستويات
يشير التّطبيع إلى عمليّة جعل شيءٍ ما يبدو طبيعيًّا أو مقبولًا عبر تقديمه بطريقةٍ مألوفةٍ، أو مقارنته بأشياء أخرى طبيعيّةٍ بالفعل، كما تقديمه بطريقةٍ تتّفق مع المعايير أو التوقّعات الموجودة. لذلك؛ يشكّل الثّالوث الاجتماعيّ والنّفسيّ والثّقافيّ الأبعاد المحدّدة لفكرة التّطبيع السّاعية إلى إظهار تبنّي أشخاص معروفين ومؤثّرين، الفعل المنشود[8].
فرضٌ بالقوّة النّاعمة لسياسة جنسانيّةٍ دخيلةٍ
مع أنّ حقيقة عدم فهم العلماء للعوامل المسبّبة والمساهمة في التّوجّه الجنسيّ، ومع أنّه ما تزال العوامل المساهمة في تحديد وفهم التوجّه الجنسيّ “المثليّ” للفرد أو التّفضيل الجنسيّ غير مفهومة جيّدًا بحسب وجهات نظر العلماء، حتى فيما يتعلّق باستخدام المصطلحات العامّة في هذا المجال؛ فهو ينضوي تحت آثارٍ ضمنيّةٍ تشير إلى افتراضاتٍ مختلفةٍ حول الأسس المسبّبة لهذا الوضع. إلاّ أنّنا نشهد في المقابل موجاتٍ من التّأكيدات عبر ضخٍّ إعلاميٍّ متلاحقٍ ومركّزٍ على أهميّة أيّ شخصٍ وأحقّيّته في تحديد ميوله الجنسيّة وهويّته؛ مستندين في طروحاتهم على حماية مختلف القوانين، وإعلانات حقوق الإنسان؛ مثل “الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان” الذي ينصّ أنّ “لكلّ فردٍ الحقّ في حريّة الفكر والوجدان والدّين” وأنّه “لا يجوز إخضاع أحد للتّمييز على أساس … التوجّه الجنسيّ”[9]. رافضين ومستبعدين المعتقدات الشّخصيّة المغايرة لهذا التّوجّه من الأفراد والمجتمعات على حدٍّ سواء.
في هذا الإطار[10]، نجد أنّ “منظّمة الصّحة العالميّة” (WHO) أزالت الشّذوذ الجنسيّ من تصنيفها الدّولي للأمراض (ICD) في العام 1990؛ لتنشر في العام 2019 التّصنيف الدّوليّ الجديد للأمراض (ICD-11) الذي أزال “تغيير الجنس و”اضطراب الهويّة الجنسيّة” من “الاضطرابات العقليّة”؛ وأدخل فصلًا جديدًا عن الصّحة الجنسيّة. بناءً عليه؛ عمدت الهيئات الصّحيّة الدّوليّة وعددٌ متزايدٌ، من الجمعيّات المهنيّة الوطنيّة للصّحّة العقليّة ووزارات الصّحّة في أنحاء العالم جميعها، إلى تطوير سياسات عدم التّمييز فيما يتعلّق بعلاج “لمثليّين والمثليّات، مزدوجي الميل الجنسيّ، مغايري الهويّة الجنسانيّة. كما تشمل المنظّمات الوطنيّة للصّحة النّفسيّة: “تركيا” و”لبنان” و”هونغ كونغ” و”تايلاند” و”الهند” و”جنوب أفريقيا” و”البرازيل” و”الفلبين” و”الأرجنتين”.
لم تتوقّف الأمور عند هذا الحدّ؛ إنّما رأت “الجمعيّة العالميّة للطبّ النّفسيّ” (WPA)، في العام 2016، أنّ المثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسانيّة أعضاءٌ مهمّون في المجتمع ويجب الاعتراف بهم، ولهم الحقوق والمسؤوليّات نفسها مثل المواطنين الآخرين جميعهم. وهذا يشمل المساواة في الحصول على الرّعاية الصّحيّة. …وأقرّت WPA بالوصمة الاجتماعيّة والتّمييز اللّاحق للأشخاص الّذين لديهم ميولٌ جنسيّةٌ من الجنس نفسه وهويّة جنس المتحوّلين جنسيًّا. وهي تدرك مواجهة الصّعوبات سببٌ مهمٌّ في محنتهم؛ وتدعو بذلك إلى توفير الدّعم الكافي للصّحة العقليّة. كما دعمت (WPA) الحاجة إلى تجريم التّوجّه ضدّ من يعارض السّلوك الجنسيّ لمن هم من الجنس نفسه، كذلك دعمت الاعتراف بحقوق مجتمع الميم لتشمل الحقوق الإنسانيّة والمدنيّة والسّياسيّة.
في سياقٍ متّصلٍ، نجد أنّ المقرّر الخاصّ لـ”الأمم المتّحدة” المعني بحريّة الدّين والمعتقد؛ دعا الحكومات كلّها إلى إلغاء القوانين التّمييزيّة التي تجرّم الأشخاص على أساس التوجّه الجنسيّ أو الهويّة أو التّعبير الجندريّ[11]. كما دعا الحكومات إلى معالجة الممارسات الدّينيّة التي تنتهك حقوق الإنسان، بما في ذلك التي تم سنّها بالإشارة إلى الاعتبارات الدّينيّة، وإعادة التّأكيد على وجوب عدم استخدام المواقف التّقليديّة أو التّاريخيّة أو الدّينيّة أو الثّقافيّة لتبرير انتهاكات حقوق الإنسان[12].
تجدر الإشارة إلى بروز تطوّرٍ لافتٍ في الثّمانينيّات من القرن الماضي في هذا الصّدد[13]، مع خطوةٍ علنيّةٍ غير مسبوقةٍ من طائفةٍ “بروتستانتيّةٍ” عالميّةٍ تأسّست في العام 1968؛ تنتمي إلى كنائس مجتمع “متروبوليتان” (MCC)، في الزّمالة العالميّة الكاملة لكنائس مجتمع “متروبوليتان”. وتركّز مساعيها في الوصول إلى الأشخاص الذين يعرّفون أنفسهم أنّهم مسيحيّون “مثليّون”، ومزدوجو الميل الجنسيّ، ومتحوّلون جنسيًّا. تلت هذه الخطوة تأسيس مركز “تحدّي الألفيّة” الذي تشكّل أعضاء مجلسه من المؤيّدين الصّريحين لحقوق المثليّين؛ لا سيّما رجال الدّين. وطالت أهدافه التّوجّه الجنسيّ والهويّة الجنسيّة للفرد؛ بوصفها عدساتٌ مهمّةٌ يُفسّر الكتاب المقدّس والمعتقدات المسيحيّة عن طريقها. بذلك؛ ترفض الآراء المسيحيّة التّقليديّة الزّواج والجنس والعلاقات الجنسيّة إلى حدٍّ كبيرٍ[14].
مع نموّها الدّوليّ؛ كانت مؤسّسة “تحدّي الألفيّة” مدافعةً مشهورةً عن حقوق الإنسان في “أوروبا الشّرقيّة” و”أمريكا اللّاتينيّة”، ومناصرة لقضايا مثل؛ قوانين عدم التّمييز في التّوظيف والإسكان والحماية القانونيّة للأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشريّة (الإيدز).
كذلك؛ أصدر “البنتاغون”، في الثّلاثين من تشرين الثّاني /نوفمبر في العام 2010، تقريره عن دراسته حول “لا تسأل، لا تخبر”[15] تحت شعار “مصالح إلحاق الضّرر من عدمه” التي وجدت إلغاء السّياسة المرتكزة على مطاردة أو مضايقة الشاذّين جنسيًّا؛ لن يشكّل خطرًا كبيرًا على الفعاليّة العسكريّة، ليدخل الإلغاء حيّز التّنفيذ في العشرين من أيلول/سبتمبر في العام 2011.
نحن أمام قضيّةٍ عالميّةٍ تدعونا إلى التّفكّر في أبعادها؛ فعندما طُرح السّؤال حول الدّوافع وراء إصرار أصحاب القرار العالميّين على الدّفاع عن حقوق المثليّين[16]؟ أتت الإجابة “الأمم المتّحدة” تقف معك، ويدعمك الملايين من النّاس حول العالم”.
تأكيدًا على هذا التّوجّه[17]، أشار “تشارلز راد كليف” رئيس إدارة القضايا العالميّة لدى “مفوضيّة الأمم المتّحدة السّامية لحقوق الإنسان” في الدّعوة إلى تحديد الخطوات لحماية مجتمع الشّاذّين جنسيًّا؛ إذ قال:[18] “إنّ جهود عددٍ كبيرٍ من أسرة الأمم المتّحدة تتضافر للمرّة الأولى، للدّفاع عن الحقوق الأساسيّة للمثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهوية الجنسانية”؛ تعبيرًا عن التزام وكالات الأمم المتّحدة. كما دعوةٍ قويّةٍ للحكومات في أنحاء العالم كلّه إلى بذل المزيد من الجهد للتصدّي لعنف الخوف من المثليّين ومغايري الهويّة الجنسانيّة والتّمييز والانتهاكات ضدّ مزدوجي الميل الجنسيّ. وقد تضافرت بحسب “راد كليف”[19]، جهود وكالات “الأمم المتّحدة” المعنيّة بمجموعةٍ واسعةٍ من المجالات، في حقوق الإنسان (الصّحة، التّعليم، العمل، التّنمية، حقوق الطّفل، المساواة بين الجنسين، الأمن الغذائيّ واللّاجئين) معًا للضّغط من أجل التّغيير.
تزامن هذا الخطاب مع تنظيم “مفوضيّة حقوق الإنسان” وشركائها حدثًا، أطلقت عليه اسمًا رفيع المستوى، بشأن حقوق المثليّين في “نيويورك” على هامش المناقشة السّنوية للجمعيّة العامّة لـ”الأمم المتّحدة”. والجدير ذكره؛ توقيع: “منظّمة العمل الدّوليّة” و”برنامج الأمم المتّحدة” المشترك المعني بفيروس نقص المناعة (الإيدز)، “برنامج الأمم المتّحدة” الإنمائيّ، “منظّمة الأمم المتّحدة” للتّربية والعلم والثّقافة “اليونيسكو”، “صندوق الأمم المتّحدة للسّكان”، “مفوضيّة الأمم المتّحدة السّامية لشؤون اللّاجئين”، “صندوق الأمم المتّحدة للطّفولة” اليونيسف، “مكتب الأمم المتّحدة المعنيّ بالمخدّرات والجريمة”، “هيئة الأمم المتّحدة للمرأة”، و”برنامج الأغذية العالميّ”، “منظّمة الصّحة العالميّة”؛ وجميعهم في البيان المشترك.
نلاحظ كثرة الأدوات والتّفسيرات التي يلجأ إليها منظّرو هذا التّوجّه لتبرير وشرعنة أحقيّة الشّاذّين جنسيًّا في الحياة؛ كما يروّجون لهم ويستخدمون قضاياهم، رافضين أيّ بحثٍ لأيّ توجّه مغايرٍ لطروحاتهم. يبدو أنّنا أمام حربٍ مستعرةٍ من التّلاعب على التّسميات والمصطلحات والوجود؛ لمواجهة هذه التّحدّيات على مستوياتٍ عدّةٍ. إذ تأتي هذه الطّروحات لتواجه بحسب رئيس إدارة القضايا العالميّة لدى “مفوضيّة الأمم المتحدة السّامية لحقوق الإنسان”، ستّة وسبعين دولةً على الأقلّ في العالم ما تزال تمنع العلاقات وتواجهها بين الشاذّين جنسيًّا. واصفًا إيّاها بـ”جرائم الكراهيّة والعنف والتّمييز ووصمة العار” في مسيرتها وتعاملاتها[20].
الاستنتاجات
أمام كلّ ما نشهده، تترتّب علينا جميعًا مسؤوليّةٌ كبيرةٌ، بدءًا من إدراك السّبل المناسبة للتّعامل مع هذه الظّاهرة، مرورًا بنشر ثقافة الوعي المتمثّلة بإدراك الواقع ووعي مخاطره وتبعاته السّلبيّة على حفظ المجتمعات وسلامتها. أضف إلى ذلك؛ تعلّم السّبل النّاجعة والمتعلّقة بكيفيّة تربية أولادنا، وتعليمهم وإرشادهم إلى السّبل المطلوبة إدراك خصوصيّة حفاظهم على أجسادهم منذ الطّفولة، مع عدم الانجراف وراء ملذّاتٍ مرفوضةٍ وغير محمودةٍ. ثمّ التّأكيد على مواكبة ومتابعة ما يحدث بين الأقران من الأبناء، ومعرفة ما يشاهدون على شاشات التّلفزة أو وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أو قاعات السّينما، كما في القصص والكتب المترجمة، من دون إغفال أهميّة متابعة مضامين ألعاب الأطفال؛ لا سيّما الإلكترونيّة منها؛ إذ يعمل مصمّمو هذه الألعاب على تضمينها بثّ قيمهم عن طريق تمرير الأفكار السّاعية والدّاعية إلى تقبّل فكرة الشّذوذ الجنسيّ بالوسائل المتاحة كلّها.
كما يجب إيلاء أهميّةٍ من التّركيز على تفعيل جلسات حوارٍ ونقاشٍ علميّةٍ على صعيد؛ الجامعات والمدارس والمنتديات الثّقافيّة، وداخل الأُسر. وذلك؛ للتحدّث بصراحةٍ عن التّبعات التي من الممكن أن تتركها التّصرفات والأفكار المتداولة على الأفراد. مع التّشديد على أهميّة ألّا يأخذ النّقاش حول هذا الأمر منحىً تهديديًّأ؛ إنّما منحىً توعويًّا عقلانيًّا؛ على أن تكون إجاباتنا دقيقةً وعلميّةً وموضوعيّةً. فرفض التّعرّف أو الخوض أو منع إثارة هذه الموضوعات قد يؤدّي إلى نتائج عكسيّةٍ، وربّما أسوء من الخوض بها ومناقشتها.
علينا في هذه المرحلة الدّقيقة التّعامل بوعيٍ، وفتح أبواب النّقاش لاستيعاب الأمور، وإيلاء الاهتمام بالأولاد ومتابعة أوضاعهم وسلوكيّاتهم المصاف الأوّل في حياتنا؛ محاولين بلوغ عيش أبنائنا في ظروفٍ صحيّةٍ نفسيّةٍ ومجتمعيّةٍ سليمةٍ ومقبولةٍ بحسب القيم التي يهمُّنا تنشئتهم عليها؛ في ظلّ شعاراتٍ عالميّةٍ تتلطّى خلف “حريّة الرأي والتعبير والحريّة الشّخصيّة”. بالتعوّد يحصل كلّ شيء؛ وهو ما يُعمل على ترسيخه بما لا يتوافق والمبادئ القيميّة التي تؤمّن وتتمثّل بها بيئات ومجتمعات متعدّدة في العالم. ويبدو أنّ بين النّوع الاجتماعيّ والتّنوّع بين الجنسين، أكثر من لغزٍ واتّجاهٍ أُدرج بين ثناياه “حقوق الشّاذّين جنسيًّا” -أو بتعبير آخر يسوّق لهم بوصفهم أفراد “مجتمع الميم”- في غير موضعٍ ومسارٍ.
خلاصة القول؛ هذه المواقف تدعو للبحث والتبحّر علّنا نفهم بعض أبعاد التّوجّهات المدرجة ضمن مشاريع وبرامج لا حدّ وحصر لها؛ لذلك يُفترض تمحور عملنا التّربويّ والمجتمعيّ والإنسانيّ على أكثر من وجهةٍ وتوجّهٍ. فليس كلّ ما ننجذب إليه يجب القيام به، وليس كلّ ما يردنا تحت عناوين عالميّة قبوله بتسليمٍ مطلقٍ من دون تفكيرٍ أو اعتراضٍ ورفضٍ لمضامينه فيما لو استدعت مصلحة بيئاتنا ومجتمعاتنا ذلك. وهو ما يجب إدراجه حول حقوقنا في تقرير مصيرنا، وسبل حماية مجتمعاتنا، والحقّ في اختيار معتقداتنا وتوجّهاتنا.
قائمة المصادر والمراجع
- Human Rights Watch, “I Don’t Want to Change Myself” Anti-LGBT Conversion Practices, Discrimination, and Violence in Malaysia, August 10, 2022.
- Schaer Cathrin, Iraq wants to criminalize homosexuality, Saudi Arabia has targeted rainbow flags, and Egypt insists on a gender binary. Activists say new threats to LGBTQ communities are based on wrong ideas about tradition., LGBTQ communities face threats in Middle East, July 16, 2022,
- Mejia Naydeline, Here’s What to Know About the Term “Third Gender”, Published in 22 December 2021, https://www.cosmopolitan.com/sexopedia/a38584885/third-gender/
- Krzyzanowski Michal, Normalization and the discursive construction of “new” norms and “new” normality: discourse in the paradoxes of populism and neoliberalism, Social Semiotics, Volume 30, 2020 – Issue 4,
- Ghoshal Neela, Transgender, Third Gender, No Gender; Part II, Rights Perspectives on Laws Assigning Gender, Published in September 8, 2020.
- Zappulla Antonio, CEO, Thomson Reuters Foundation, The simple reason why so many businesses support LGBT rights, Word Economic Forum, Behavioral Sciences, Jan 2017,
- National Library of Medicine, Beliefs about the Etiology of Homosexuality and about the Ramifications of Discovering Its Possible Genetic Origin, Published in Aug 2015.
- Competent Communication, Persuasion, sections CC BY-NC-SA 4.0,
- Rolfe Frederick William, Hirschfeld Magnus, Weinberg George, Addington Symonds, Hay John Harry, Homosexuality, https://www.britannica.com/topic/Maurice-novel-by-Forster
- https://news.un.org/ar/story/2015/09/237152
[1] – هي مجموعةٌ من المبادئ التي تنصّ صراحةً على توسيعٍ تدريجيٍّ للّتي دُوّنت في العام 2006. وينصّ المبدأ 31 أنّ “لكلّ فردٍ الحقّ في الاعتراف القانونيّ من دون الرّجوع إلى أيّ جهةٍ تتطلّب التّخصيص أو الكشف عن الجنس أو التّوجه الجنسي ّأو الهويّة الجنسيّة أو التّعبير الجنسيّ أو الخصائص الجنسيّة”.
[2] – Ghoshal Neela, Transgender, Third Gender, No Gender; Part II, Rights Perspectives on Laws Assigning Gender, Published in September 8, 2020.
[3]– Mejia Naydeline, Here’s What to Know About the Term “Third Gender”, Published in 22 December 2021,
[4]– National Library of Medicine, Beliefs about the Etiology of Homosexuality and about the Ramifications of Discovering Its Possible Genetic Origin, Published in Aug 2015.
[5]– Zappulla Antonio, CEO, Thomson Reuters Foundation, The simple reason why so many businesses support LGBT rights, Word Economic Forum, Behavioral Sciences, Jan 2017,
[6]– شهر مساندة الشاذّين جنسيًّا والتّرويج لهم ولبرامجهم ونشاطاتهم، وتقام المهرجانات والاحتفالات المتعدّدة بهذه المناسبة.
[7] – Competent Communication, Persuasion, sections CC BY-NC-SA 4.0,
[8]– Krzyzanowski Michal, Normalization and the discursive construction of “new” norms and “new” normality: discourse in the paradoxes of populism and neoliberalism, Social Semiotics, Volume 30, 2020 – Issue 4,
[9]– National Library of Medicine, Beliefs about the Etiology of Homosexuality and about the Ramifications of Discovering Its Possible Genetic Origin, مرجع سابق
[10]– Human Rights Watch, “I Don’t Want to Change Myself” Anti-LGBT Conversion Practices, Discrimination, and Violence in Malaysia, August 10, 2022.
[11] أكّد المقرّر الخاصّ علنًا في التّوصيات المكتوبة التي عرضها على: المساواة والكرامة للمثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسانيّة وحاملي صفات الجنسين والمتنوّعين، وإدانة ممارسات التّحويل والتّمييز والعنف المستهدفة لهم على أساس التّوجه الجنسيّ أو الهويّة الجنسيّة أو التّعبير. مع ضرورة الالتزام بإصدار تشريعاتٍ شاملةٍ مناهضةٍ للتّمييز؛ إذ تحظر التّمييز على أساس التّوجّه الجنسيّ والهويّة الجنسيّة والتّعبير الجندريّ. مؤكّدًا على تمرير تشريعٍ يسمح للأشخاص المتحوّلين جنسيًّا تغيير الاسم وعلامة الجنس على وثائق الهويّة الرّسميّة الخاصّة بهم؛ بناءً على تقرير المصير. وحدّد المعايير الواجب الالتزام بها عبر التّصديق على المعاهدات الدّوليّة الأساسيّة لحقوق الإنسان التي تحمي، من بين أمورٍ أخرى، من التّمييز على أساس التّوجه الجنسيّ وتحديد النّوع الاجتماعيّ، بما في ذلك؛ العهد الدّوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة والعهد الدّولي الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة، واتّفاقيّة مناهضة التّعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانيّة أو المهينة. كما اتّخاذ خطواتٍ نحو مواءمة القوانين المحليّة مع التزاماتها بموجب القانون الدّوليّ؛ عن طريق صياغة واقتراح إصلاحاتٍ تشريعيّةٍ لإلغاء تجريم العلاقات الجنسيّة المثليّة والتّنوّع بين الجنسين.
[12] – جاء في التّقرير: “يرفض المقرّر الخاصّ أيّ ادّعاء أنّه يمكن التذرّع بالمعتقدات الدّينيّة بوصفها “مبرّرًا” مشروعًا للعنف أو التّمييز ضدّ النّساء والفتيات أو ضدّ الأشخاص على أساس ميولهم الجنسيّة أو هويّتهم الجنسيّة. ويتّضح من القانون الدّوليّ إمكانيّة تقييد الدّول إظهار الدّين أو المعتقد؛ بما يتّفق تمامًا مع المعايير المبيّنة في المادّة 18 (3) من العهد الدّوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة، لحماية الحقوق الأساسيّة للآخرين؛ بما في ذلك الحقّ في عدم التّمييز والمساواة، وهو مبدأٌ تعتمده حقوق الإنسان جيعها؛ بما في ذلك الحقّ في حرّيّة الدّين أو المعتقد.
[13]– Rolfe Frederick William, Hirschfeld Magnus, Weinberg George, Addington Symonds, Hay John Harry, Homosexuality,
[14]– دعت الكنيسة خاصّةً إلى حقّ الأزواج من الجنس نفسه في الزّواج، وحافظت على طقوس الاتّحاد المقدّس منذ العام 1969.
[15] – “لا تسأل، لا تخبر(DADT)”، اسم السّياسة الأمريكيّة الرّسميّة السّابقة (1993-2011) فيما يتعلّق بخدمة المثليّين في الجيش. وقد صيغ المصطلح بعدما وقّع “بيل كلينتون” في العام 1993 قانونًا -يتألّف من تشريعاتٍ وأنظمةٍ ومذكّراتٍ سياسيّةٍ- يوجّه أنّ الأفراد العسكريّين “لا يسألون ولا يخبرون ولا يطاردون ولا يضايقون”. عندما دخلت هذه السّياسة حيّز التّنفيذ في 1 تشرين الأوّل/أكتوبر 1993. وبعده تابع “باراك أوباما” اجتماعاته في البيت الأبيض بشأن إلغاء “لا تسأل، لا تخبر”، في 29 تشرين الثاني\نوفمبر 2010.
[16] -Cathrin Schaer, المرجع نفسه
[17] -Schaer Cathrin, Iraq wants to criminalize homosexuality, Saudi Arabia has targeted rainbow flags, and Egypt insists on a gender binary. Activists say new threats to LGBTQ communities are based on wrong ideas about tradition., LGBTQ communities face threats in Middle East, July 16, 2022,
[18] –https://news.un.org/ar/story/2015/09/237152
[19] – يرى راد كليف أنّ معارضي المساواة والحقوق لمجتمع الميم؛ غالبًا ما يرتكزون على الثّقافة والدّين والتّقاليد لتبرير الحرمان من الحقوق. بينما تؤدّي هذه الأشياء الثّلاثة دورًا مهمًّا في تشكيل المجتمع والمواقف، لا يمكنها -برأي “راد كليف”- تسويغ انتهاك حقوق الإنسان للنّاس. معتقدًا استغراق الأمر وقتًا للتّغلّب على قرونٍ من التّمييز والتّحيّز، ثمّ يأتي النّشطاء في بلدانٍ مختلفةٍ، ومن توجّهاتٍ مختلفةٍ، أكان ذلك في المحاكم أو الشّوارع أو وسائل الإعلام؛ لمساندة هذه القضيّة. منطلقًا من مبدأ مكافحة أنواع التّمييز جميعها بالنّسبة لمكتب “الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان”(على حدّ قوله) جزءًا أساسيًّا من مكتب حقوق الإنسان التّابع للأمم المتّحدة. مؤكّدًا على مسؤوليّة المكتب عن حماية حقوق الإنسان جميعها وتعزيزها لجميع البشر؛ ومحذّرًا من الفشل إذا لم نتّخذ القضيّة من منطلق كلمات “الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان”؛ القائلة: “أنّنا ولدنا جميعًا أحرارًا ومتساوون”. واعدًا أيضًا الجميع بالحصول على فرصة الازدهار،؛ لذا يجب – بحسب “راد كليف”- أن نكون قادرين على استيعاب هذا النّوع من التّنوّع.
الإلحاد الجديد: قراءة نقديّة في البنى الإبستمولوجيّة
إنّ تناول مسألة الرّؤى المناهضة للدّين بنسخته الكاملة، الشّاملة للمعتقدات والقيم والتّشريع…